لقد دأب أغلب حكامنا منذ نشوء الدولة وحتى وقت قريب على الخطابات المثالية التعالوية واللاوقعانية ؛ والبعيدة كل البعد عن ملامسة هموم وشؤون العامة ؛ هكذا كان دأب ساستنا ممن حكموا البلاد ؛ متجاهلين أوضاع المجتمع وضاربين عرض الحائط لمصالح الشعب و وعدم التقرب منه ؛ شأنهم فى ذلك الارتكان إلى بروج عاجية وسدود منيعة لا تسمح بالإتصال بينهم ومواطنيهم ؛ ما يجعل من مسألة الالتحام بين القمة والقاعدة أمرا مستحيلا ؛ هذه الثنائية المعادلاتية التى ظلت طي النسيان ؛ بل وظلت نسيا منسيا ؛ ليغدو الشعب المسكين بين رحى الأمل المفقود والألم الدائم الذي لا يبرح صاحبه ؛ وكأنه قدر أزلي مجبر عليه حينا من الدهر .
وما هي إلا لحظات حتى انكشف زيف الخطابات الرنانة المنمقة والتى حيكت وزينت ديكوريا بشتى أنواع الصور البيانية والبديعية ؛ متجاوزة لهموم ومشاكل المواطنين وقد أثقل الإملاق محياهم ؛ فيتضرعون بين الفينة والاخرى ومتبتلون فى محراب الألوهية ومتوكلون على من إذا دعاه المضطر وتضرع إليه ؛ يجيب دعوته ويكشف عنه الضر ؛ ليتمثل ذلك سويا عندما قيض الله لنا قيادة رشيدة فريدة من نوعها فى المنطقة الإفريقية والعربية ؛ كي تعيد الإعتبار لمفهوم التضامن والتآزر ؛ بل وحتى التآخي كمفهوم إسلامي قال تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة) ؛ فلأول مرة يعاد لهذه المفاهيم ذات الصلة بالانسانية كينونتها وماهيتها وألقها ؛ بعد ما أفرغت من شحنتها ولاكتها الألسن شهورا دهورا ؛ وهكذا كان الموعد ليلة البارحة مع خطاب القائد؛ وقد كشف اللثام وازاح الستار فيه عن رزمة من الإجراءات المرتبطة بحياة الشعب ؛ ومما أعطى للخطاب نكهته هو بساطة المخاطب و هو الدرس الذي استلهمه الرجل من تربيته المحظرية و تكوينه العسكري ؛ فهذا الأخير وإن كنا نجد أحيانا لدى بعض العسكريين نوعا من التكبر والغطرسة والتهور والتعالى على الشعوب التى يديرونها ؛ إلا أن ذلك يعتبر نشازا فى العقيدة العسكرية ؛ فطبيعة العسكر غالبا تمتاز بالجدية والجاهزية وعدم التطاول والكبرياء الذي كان الله عز وجل قد حذرنا منه فى الحديث القدسي قائلا : ( الكبرياء ردائي فمن نازعني إياه عاقبته ) ؛ ولذلك جفا القائد عن كل ذلك ؛ حيث كان الخطاب يمتاز بالواقعية والبراكسيس العملياتى ؛ بعيدا عن يوتوبيا وأحلام التسويف والقيل والقال ؛ ليتحول القول فعلا والتسويف تأكيدا ؛ لل إن القائد ذهب بعيدا بأن أضحى يخاطبنا بلغة الرياضيات التى تنطلق من الواقعية ؛ ولهذا حمل الخطاب فى جعبته تدابير عملية شاملة ؛ تنسي الطبقات الهشة والمتوسطة لقدر من مآسي مخلفات هذه الرزمة من الاحترازات الصحية ؛ التى اتخذتها الدولة تفاديا من انتشار الوباء بين المواطنين الذي سببه فايروس كورونا العالمى ؛ فسارعت القيادة إلى إعفاء كافة المواد المستهلكة والمحروقات المستوردة من الضرائب والرسوم الجمركية ؛ كما تم اقتناء كافة حاجيات الوطن من الأوبئة والمعدات والتجهيزات الطبية المرتبطة بوباء كورونا ؛ إضافة إلى تخصيص 5 مليارات قظيمة لدعم 30 ألف أسرة فقيرة وتزويدهم باعانة مالية شهرية مدة ثلاثة أشهر؛ ولم تقف سفينة الدعم عند هذا الحد ؛ بل تجاوزته إلى تحمل الدولة لكافة الضرائب والرسوم الجمركية على القمح والزيت والحليب المجفف والخضروات والفواكه طيلة ما تبقى من السنة وهو ما يعزز مقولة الإطعام الواقعي والتأمين الفعلي من الجوع والعطش ؛ مع تحملها أيضا لفواتير الماء والكهرباء عن الأسر الضعيفة ؛ انقاذا لهم من ظلمة الليل وعطش الهجير ولظى شركة الكهرباء التى لا تعرف فى قاموسها الشفقة والرحمة بالفقراء ؛ ولذا كان حريا بنا القول أن قطعت جهيزة ألسنتهم بتحملها لتلك التكاليف الباهظة ، ولن يكون الأمر مقتصرا على هذا الحال بل تجاسرت الدولة وفى خطوة استباقية إلى أن تتحمل أعباء كافة الضرائب البلدية عن أصحاب المهن والأنشطةالصغيرة لمدة شهرين متتاليين بالإضافة إلى تحملها عن أرباب الأسر العاملين فى قطاع الصيد التقليدي كافة الضرائب والاتاوات الناجمة عن هذا النشاط طيلة ما تبقى من السنة ؛ أضف إلى هذا وذاك من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ؛ وما كان القائد لتكون يداه مغلولتان تجاه شعبه ؛ الذي راح يقارع الفايروس العالمي بكل هوادة وإخلاص ؛ فمن الله عليه بأن قيض له قائدا ملهما يحس ويتألم لشعبه لا تأخذه فى ذلك لومة لائم؛ يخاف من يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار وتبلغ فيه لقلوب الحناجر ؛ ليجزيه الله أحسن الذي عمل لشعب تاه وفزع من جائحة وباء لم يسلم منه بلد ؛ وليس فى منأى عنه إلا من رحم ربك إنه كان بعباده رؤوفا لطيفا ؛ هكذا إذن تتناغم مقولتا التحام القمة بالقاعدة ؛ وهكذا تكون فعال القادة مع شعوبهم فى زمن استفحال انتشار وباء يفر منه المرء من أخيه؛ فيصمد القائد الملهم المكلوم بحب شعبه ؛ وكما علمنا أيام كان فى الصفوف الأمامية لجيشنا الباسل ؛ وقوات أمننا البواسل لتأمين البلاد من دياجير الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للقارات ؛ فقر عينا سيدي القائد فها أنتم اليوم تقولون كلمة الفصل لساسة العالم ؛ أن السياسة إما أن تكون وقعانية أولا تكون ؛ وأن زمن الجفاء والابتعاد عن تعهد المواطنين خاصة الشرائح الهشة ؛ وكذا الإنعزال فى بروج عاجية عن حل همومها أضحى أمرا غير ذي جدوائية وليس من فعال أبناء الأكابر ؛ ولذا سيدي الرئيس نزعتم منا أن نخلع عليكم لقب ملهم الساسة وحكام العالم فى الأنسنة (l'humanisme ) ؛ فاصبر لحكم ربك فإنما هذا ابتلاء واختبار للعبد ؛ أن يكون زمن حكمكم فيه داء فايروس كورونا ؛ فليس خاصا بكم ؛ فهو وباء عالمي لكنكم سارعتم إلى الاحتراز منه ومواطنيكم ؛ فالله يبتلى العبد على قدر محبته له ؛ فلا تجزعوا ولا تخافوا فإن مع العسر يسرا ؛ وحفظ آلله البلاد والعباد فى ظل حكمكم الميمون من كل البلايا والرزايا ومن شر حاسد إذا حسد .