من داخل بيوتنا، نحمد الله ونمجده، وقد أغلقناها على صغارنا، يوم توقفت مدارسهم عن تقديم جرعات المعرفة لهم؛ وأنضم إليهم، الكبار، في مهجعهم، يوم توقفت المناشط التي يجتمع لها الناس؛ ثم أحكمنا رتاج الباب والنافذة، وأسدلنا الستار، في وجوه الزوار: أهلا وأقارب وجيرانا ومحاويج، يوم أظلنا قرار منع التجوال، فانكفأنا على تحديد قدر التنائي والتداني الاجتماعي الآمن في البيوت؛ أما الصابون والمعقمات والكمامات والقفازات، فهي ترف من عالم التمنيات؛
من داخل بيوتنا، وقد سخرها الله لنا، فاتخذناها معازل طوعية، للكبار والصغار، توكلا على ربنا وانسجاما مع سنته في الاسباب والمسببات؛ وأدينا القليل مما علينا من شكر أنعمه وآلائه، وجأرنا إليه بالضراعة، ليصرف هذا الوباء وكل وباء وبلاء وداء، عن بلادنا وأهلنا، وعن سائر بلاد المسلمين، وعن الإنسانية جمعاء؛ وليبارك كل الجهود والتدابير المبذولة، على قدم وساق، رسميا وشعبيا، لمحاصرته، ومنع انتشاره، بل ولتطويق آثاره وتداعياته المحتملة، بكفاءة وجدارة ونجاعة؛
من داخل بيوتنا، استبقنا دعوة رئيس الجمهورية للناس بمختلف مواقعهم، للتصدي لوباء يشكل تحديا حقيقيا لهم وللعالم؛ فمنها ابتدأنا معركة الحهد العام لمحاصرة الفيروس، وانخرطنا في الخطة الوطنية للتصدي له، بالتعبئة الذاتية العائلية، وأعدنا ترتيب بعض الأولويات، وهجرنا تقاليد ومسلكيات وعادات وممارسات، وأدركنا أن وقاية الوطن، تبدأ من حماية العائلة، وأن معركتنا معركة وعي وقائي، تبدأ من البيت، وتنتهي إلى البيت؛
من داخل بيوتنا، تابعنا خطاب رئيس الجمهورية، إلى الأمة، وقد حملنا حديثه عن تعقيدات الحياة الناجمة عن الوباء، محمل الجد، وتفهمنا تحذيراته من تداعيات محتملة أكثر تأثيرا، على الحياة اليومية للناس، تبعا للمآلات غير المنظورة للأمور، وسرنا اننا تلقينا ونحن داخل بيوتنا، دعوته المواطنين إلى البقاء في بيوتهم، والتزام الحجر الصحي الذاتي الطوعي، والتوقف عن التفاعل المباشر والحراك والانتقال، ما لم يتعلق الامر بإحدى الضرورات القصوى؛
ومع ان رئيس الجمهورية، في خطابه الذي تابعناه من داخل بيوتنا، قد حذر من التهاون والاستهتار بحزمة التدابير الوطنية المتبعة لمحاصرة الوباء وهزيمته، كما انذر من تبعات الإخلال بأي من قواعدها الملزمة، فإن بشارات الخطاب، وفي مقدمتها الخطة الاقتصادية غير المسبوقه، أنست المتلقي حزمة النذر والتحذيرات، ورسمت على الشفاه بسمة امل عريض بعد اليأس، خاصة في القطاعات الهشة، من الفقرارء والمساكين، وضحايا الفساد والغبن والتهميش من مختلف الفئات والمكونات؛
من داخل بيوتنا، استمعنا إلى قائمة البرامج والتعهدات والالتزامات، التي وردت في خطاب رئيس الجمهورية إلى الأمة، فكانت ارقامها الفلكية تغادر شفتيه جزلة ضخمة واعدة مطمئنة، فتصل آذان الفقراء والمساكين والمغبونين وضحايا التهميش، فتقرعها نغما حالما، وبردا وسلاما، وشبعا وريا، ودفءا ومأوى؛ إنه رنين المليارات من مال الله، تطرب له البطون الجائعة، والشفاه الظمأى، والأبدان العليلة، والاحسام العارية، فتشيم بروق الشبع والري والمعافاة والستر؛
من داخل بيوتنا، سمعنا الرئيس يستعمل في حديثه مصطلحات ومفاهيم نبيلة وعتيقة، كانت قد خرجت من قاموس الاستعمال اليومي الرسمي، فهجرتها أجيال متعاقبة، لأكثر من أربعة عقود كاملة؛ إنها مصطلحات ومفاهيم من قبيل أن الدولة تتحمل- وتضمن- وتلتزمء
وتمنح- وتعطي ....لقد قال الرئيس بتصرف:
- ستتحمل الدولة كافة الضرائب والرسوم الجمركية على المواد الغذائية الأساسية، لتهبط أسعارها.
- تحمل الدولة لفواتير الماء والكهرباء عن الأسر الفقيرة لشهرين متتابعين؛
- تتكفل الدولة للمواطنين في كافة القرى، بتكاليف المياه القروية طيلة بقية السنة.
- تتولى الدولة عن أصحاب المهن والأنشطة الصغيرة، كافة الضرائب البلدية، لشهرين كاملين
- تتحمل الدولة عن الصيادين التقليديين من أرباب الأسر، كافة الضرائب والأتاوات، طيلة بقية السنة!! فهل سمعتم بشيء مثل هذا من قبل؟!
من داخل بيوتنا، سمعنا الرئيس يضع الدولة بجميع مكوناتها، أمام مسؤولياتها التاريخية، في مواجهة التأثيرات التي تهبط بكفاءة وقدرات قطاعات عريضة من المواطنين، على كسب عيشهم، وتأمين ضروريات عيالهم، في حدودها المعقولة؛ فيعلن إنشاء صندوق خاص للتضامن الاجتماعي ومكافحة وباء كورونا، يتولى تعبئة الموارد المتاحة، ويوجهها نحو الأنشطة التي تخفف الأزمة، وتوسع الخناق على الطبقات الهشة وذوي الدخل المحدو؛
من داخل بيوتنا، علمنا أن الصندوق الذي سيعمل بالتوازي مع مختلف قطاعات الدولة ذات الصلة، على مواجهة تداعيات اي إرباك محتمل في التجارة الدولية، لضمان استمرارية تموين البلاد بكافة احتياجاتها، وخاصة من المواد الغذائية والطبية والمحروقات؛ سيكون مفتوحا أمام كل من يرغب في المساهمة في المجهود الوطني، من فاعلين اقتصاديين وطنيين، ونن شركاء دوليين؛
من داخل بيوتنا، أخبرنا الرئيس أن مساهمة الدولة في الصندوق الوطني للتضامن ومكافحة وباء كورونا تبلغ خمسة وعشرين مليار ( 25.000.000.000 ) أوقية قديمة، خمسة مليارات (5.000.000.000) أوقية منها مخصصة لإعانات مالية شهرية، لمدة ثلاثة أشهر، لثلاثين ألف (30.000) أسرة، لا معيل لها، او تعيلها النساء أو العجزة، أو ذوو الإغاقة، وأغلبها ستكون من سكان الأحزمة الهشة في نواكشوط؛ فيما يخصص الباقي لاقتناء حاجيات البلاد من الأدوية والمعدات والتجهيزات الطبية المرتبطة بالوباء.
اللهم لك الحمد لا نحصي حمدا وشكرا وثناء عليك، من داخل بيوتنا ومساكننا، فبك، لا بها احتمينا مما نحاذر، وعليك، لا عليها اعتمدنا، وبحولك وقوتك، براءة من حولنا وقوتنا، اعتصمنا، وعليك وحدك، لا على تدبيرنا، توكلنا، فما خاب من تولاك، وأنت اللطيف الخبير، القوي العزيز، ذو الملك والملكوت، والعزة والجبروت؛ أنت مولانا، فنعم المولى ونعم النصبر..