عن حزب "تواصل" الإسلامي / محمد الهادي ولد حمادي

altشكلت الانتفاضات الشعبية القائمة في بعض الدول العربية مفاهيم جديدة تتم صياغتها وفق ما يطرحه الثائرون، الذين استطاعوا بانتفاضتهم إزالة أنظمة استحكمت ،وظلت عصية على الزوال لفترة زمنية طويلة.

لعل من بين أبرز ما أثبتته تلك الثورات هو تعطش الجماهير العربية الثائرة إلى الحكم الإسلامي ،ورغبتهم في إعطاء الفرصة للتيارات الإسلامية التي حُرمت طيلة عقود من الزمن من أبسط حقوقها السياسية ، بعد عقود من الحكم العلماني الذي سخر نفوذه السياسي وأجهزته الأمنية في ترسيخ مفاهيم العلمانية،كما لم تدخر جهدا في التخويف من الإسلاميين،ووصفهم بأوصاف شتى تجعل منهم مجرمين و"إرهابيين"،وتسمح للنظام باستخدام كل وسائل الترهيب من قتل وتعذيب وتشريد،عدا عن كونها تغدق على تلك الحكومات من "خيرات" الغرب لمتدفقة. قد لا يكون حظ موريتانيا وافرا كحظ تونس، التي ختمت عرسها الانتخابي بتتويج التيار الإسلامي المعتدل (حركة النهضة) على رأس من رضِيَ عنهم الشعب ونال ثقتهم ،وأيضا قد لا تكون موريتانيا –على الأقل لحد الساعة- من مصافي الدول التي شهدت ثورات أطاحت بأنظمة مستبدة فاسدة،واستبدلتها بأخرى تمثل خيار الشعب وطموحاته. إلا أن القرائن تشير أن التغيير قادم في موريتانيا،وأن النظام الحالي هو من يصنع مصيره لنفسه، من خلال السياسات الفاشلة التي ينتهجها، سواء فيما يتعلق بتعامله مع الأحداث المتسارعة التي تشهدها البلاد،أو في مواقفه مع الخارج. وسيكون على القوى السياسية المشكلة للمشهد أن تضع البديل الذي يمثل الشعب ويتبنى قضاياه،ومع أن بالمشهد السياسي ضبابية حول من يُخول له تاريخه النضالي قيادة المرحلة المقبلة،إلا أن حزب تواصل الموريتاني ذي الخلفية الإسلامية ، وأكثر الأحزاب السياسية تنظيما ،يمثل خيارا مهما ، وذلك لما يتمتع به الحزب من مصداقية شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء، وعوامل إقليمية أخرى، فرضت معادلات جديدة لعل أبرزها صعود الإسلاميين في المنطقة. . حزب تواصل الذي ينطلق في طرحه السياسي من المرجعية الإسلامية ، يعتبر نفسه امتدادا طبیعیا بحكم المنطلقات، والمواقف ،والخیارات، لحركات الإصلاح والتجدید التي عَرَفتھا مسیرة ھذا الشعب، والمرجعية الإسلامية تأتي انسجاما مع سجیة شعبه وھویته ، وهي ثوابت بالنسبة له یتبلور في إطارها الوجدان والضمیر الجماعي للمجتمع، وتتشابك وشائج الرحم والقربى فیها، مشكلة بذلك ھویته الوطنیة بأبعادھا المختلفة . وهو أمر يشكل استقطابا لكل الشرائح المكونة للطيف الموريتاني، إضافة إلى الوسطیة التي ينتهجها، و التي يعتبرها مقصدا شرعيا ومبدأ أخلاقيا أصیلا، تقوم علیھا جمیع مظاهر الحیاة بمختلف أبعادھا الروحیة والمادیة، وهو ما یضمن التوازن والتكامل، فلا یطغى جانب على آخر،كما يعتبر الوسطية منھجا علميا وضابطا عمليا للفھم والممارسة، ؛ فبین الإفراط والتفریط والغلو والتقصیر والتساھل والتشدد ثمة دائما مقام محمود ھو الوسطیة. وهذا الفهم الشامل للحزب هو ما مكنه من اقتناع الكثيرين به،و تشكيل قاعدة حزبية عريضة ، تحمل فكرته وتؤمن بمنهجه ، وتضحي في سبيله، خاصة في ظرف نشهد فيه عودة قوية للمظاهر الإسلامية،وتواجد الشباب بكثرة في المساجد والمنابر الإسلامية. لقد حرص حزب تواصل منذ نشأته أن يكون منطلقه من الشورى،والتي يعتبرها ملزمة حتى يكون القرار موافقا ومحققا للمصلحة العامة، فهو الحزب الوحيد الذي حافظ على خطه السياسي رغم تقلب السياسة والسياسيين في البلد،وتذبذب الكثير من رفاق العمل السياسي في مواقفهم،وذلك يرجع إلى أن الحزب يعتمد على منهج التشاور، الذي ينطلق من تعبئة الجماهير حول مواقف الحزب،ويكون القرار في النهاية هو قرار جماهير الحزب،ليسلم الحزب من شراك وقع ويقع فيه بعض القادة السياسيين الذين تنطلق مواقف أحزابهم من مواقفهم الشخصية ،كما حدث لأحد أكبر أحزاب المعارضة حين أيد انقلاب 6 *أغسطس*2008،ثم عاد وعارض الانقلاب. يتمتع الحزب بسمعة حسنة تؤهله لقيادة المرحلة المقبلة،فالأمانة والتدين والاستقامة والصدق .. والاعتدال في المواقف- فلا تدفعه المبادئ إلى التجنیح، ولا تستدرجه الواقعیة إلى التمیع، ويضبط كل ذلك بالموازنة بین المصالح، والمفاسد- كلها صفات يشهد له بها القاصي والداني،إضافة إلى الحيوية والنشاط، والتضحية.. وهي الصفات التي يحتاجها الشعب الموريتاني في ربان سفينة ينقذها من معاول الفساد،ويقودها إلى بر الأمان. قدم الحزب درسا مهما في الديمقراطية الحزبية، من خلال المؤتمرات التي يعقدها كل فترة،و التي تؤسس على حرية الاختيار و تقبل منطق الرأي المخالف، فلم تشهد الأحزاب السياسية الكبيرة أي نوع من هذا الحراك،بل نشهد بعض الأحزاب التي حافظت –أو أُرغمت- على قيادة الحزب منذ نشأتها في التسعينيات،ليشكل الحزب بذلك طفرة نوعية في قاموس العمل السياسي ،متمثلين قولة حسن الهضيبي رحمه الله: "أقيموا دولة العدل في نفوسكم تقم لكم على أرضكم". الحرص على المصلحة العامة، والحفاظ على النسيج الاجتماعي للبلد،وتبني القضايا الوطنية والدفاع عنها، والاهتمام بالقضايا الإسلامية كقضية فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وغيرهم ...تلك ميزة من مميزات هذا الحزب الأصيل،ويتبين ذلك جليا من خلال المنطلقات الفكرية التي ينطلق منها الحزب (الإسلام كمرجعية،والوسطية كمنهج،والشورى كأساس للحكم،والإصلاح كهدف،والتنمية المتوازنة كغاية اقتصادية،والحرية كمبدأ،والإسلام كهوية،والأمة الإسلامية كعمق استراتيجي،والتقوى كمعيار للعمل،والمحبة كشعار ...). لقد شكلت هذه الثورات نهاية لعهد من الظلم والاضطهاد والغطرسة،وبداية جديدة كان قدر الإسلاميين فيها أنهم في المقدمة،وبقدر ما يأمل الجميع أن تكون الدولة في ظل حكم التيارات الإسلامية دولة قانون، يسود فيها العدل والحرية والإصلاح والتنمية،بقدر ما يتخوف البعض من فشل هذه التجربة الأولى من نوعها في عالمنا العربي . ويبقى التحدي قائما، والأسئلة كثيرة حول ما إذا كان الإسلاميون- في الوطن العربي عموما وفي موريتانيا خصوصا- قادرون على قيادة المجتمعات نحو التقدم والازدهار إذا ما سنحت لهم الفرصة أم لا،والأيام القادمة ستجيب على تلك الاستشكالات نفيا أو إثباتا

24. نوفمبر 2011 - 0:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا