COVID-19 هي اختصار انكليزي لكلمة (مرض (DISEAS) الفيروس (VIRUS) التاجي (CORONA) المستجد سنة 2019). والفيروسات التاجية هي فصيلة كبيرة من الفيروسات قد تصيب الانسان أو الحيوان مسببة بعض الامراض المتفاوتة الخطورة على مستوى الجهاز التنفسي. من هذه الفيروسات ما يمكن التغلب عليه من خلال المقاومة الطبيعية للجسم، ومنها الأشد خطورة كمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، والمتلازمة التنفسية الحادة (السارس). وآخر هذه الفيروسات ظهورا هو فيروس الكورونا المستجد 2019. وتتمثل أعراض الكورونا المتفق عليها لحد الساعة في الحمى، والارهاق، والسعال الجاف. كما قد يعاني بعض المرضى من احتقان الانف أو الرشح، وآلام الحلق، وبعض الآلام الأخرى. ويمتاز بانتقاله عن طريق المصافحة، ولمس الأسطح أو الأجسام الحاملة للفيروس، ولمس العينين أو الانف أو الفم. وهو مرض سريع العدوى، لكن الأدهى من كل ذلك -والأمر-هو أن بعض الناس قد يصابون بالعدوى ويقومون بنقلها للآخرين دون أن يشعروا هم بالمرض. وتعتبر مدينة (ووهان) الصينية أول ظهور لهذ الفيروس، لينتقل منها لكل دول العالم وينتشر انتشار النار في الهشيم، حيث تجاوزت الإصابات به لحد الساعة عتبة المليون وثلاثمائة ألف مصابا عالميا حسب المصرح به فقط.
هذه السرعة الفائقة للانتشار هي ما جعلت كل بلدان العالم تقف بحزم أمام انتشاره فيها. وكان بلدنا -لله الحمد-من السباقين في وضع خطط استباقية لاحتواء الضيف الثقيل. فما ان ظهرت أول حالة من هذه الجائحة حتى بدأت السلطات المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة، من دعاية، وإعلام بخطورة الجائحة، ومتطلبات تفادي الإصابة بها على مستوى الأفراد، وكذا اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية الحوزة الترابية: كإغلاق المطارات أمام الرحلات، وإغلاق الحدود وكل المنافذ البرية والبحرية، والحجر على كل الوافدين من منتصف مارس حتى الوقت الحالي. وكان آخر تلك الإجراءات تطبيقها وأشدها ارتباطا بالحياة الخاصة للمواطن هو تعليق الجمعة، وتطبيق حظر التجوال من السادسة مساءا حتى السادسة صباحا، مع الاغلاق الشامل لكل المحلات التجارية ما عدا تلك المختصة ببيع المواد الغذائية. وهو ما كان له بالغ الأثر على المجتمع بصفة عامة، وعلى الطبقات الهشة بصفة خاصة.
هذه الإجراءات الاستباقية لا شك أنها لعبت دورا أساسيا في منع انتشار المرض وتفشيه بين أفراد المجتمع. إلا أن اللافت للانتباه هو ذلك الموقف الحازم من السلطات الإدارية، وتلك الهبة الشعبية الكبيرة لدعم ذلك الموقف دون النظر للتوجهات السياسية التي طالما وقفت حجر عثرة أمام تحقيق بعض الأهداف الاستراتيجية للبلد. وهو أمر إن عبر عن شيء، فإنما يعبر عن مستوى عال من الوطنية ومرحلة متقدمة من الوعي لدى شعبنا الكريم.
فعلى سبيل المثال نجد أن السلطات العليا للبلد وإن كانت صارمة في تطبيق قراراتها بخصوص المرحلة، إلا أنها اتخذت موازاتا مع ذلك حزمة من الإجراءات لمعالجة تلك الاختلالات الناجمة عن تطبيق القرارات. منها على سبيل المثال لا الحصر ضبط أسعار المواد الأساسية، وضمان وفرتها، بالإضافة لبعض الدعم الخاص بالطبقات الهشة، ومنها تحمل فواتير الماء والكهرباء لفترة الجائحة بل وحتى نهاية السنة للطبقات الأكثر هشاشة.
أما السلطات الأمنية وبالرغم من صرامتها في سد المنافذ الحدودية، وفرض تطبيق حظر التجول خلال الفترة المعلنة، إلا أنها لم تهمل الجانب الإنساني أثناء تأديتها المهام المنوطة بها. ومنه الحالات الإنسانية كحالات المرض، أو حالات الوفاة. كلها أمور وجدت مواقف جادة من قبل تلك السلطات وبشهادة المواطنين أنفسهم. فلم يسجل لحد الساعة منع مواطن من الحصول على العلاج، ولا منعه من تجهيز جنازة خلال فترة الحظر. بل والأهم من ذلك هو المتابعة الأمنية والمراقبة الدقيقة للمواطن بمجرد إعلانه طلب الخدمة، وتوجيهه بالخروج لتحقيق المهمة، ومواكبة مروره بكل النقاط الأمنية، وحتى رجوعه لبيته، كلها أمور تدل على مستوى عال من المسؤولية، وقدر كبير من الوطنية. كما تولد لدى المواطن نوع من الفخر والتباهي بتلك السلطات، بل وتجعل منه جنديا معينا لتلك السلطات في تحقيق الأهداف الوطنية المقصودة.
أما المواطن العادي والذي يعتبر مربض الفرس في كل هذه الإجراءات، فقد كان تجاوبه ينم عن قدر عال من الوعي ومستوى متقدم من المسؤولية. إذ بالرغم من أنه المتضرر الأكبر من تلك الإجراءات إلا أنه ظل دائما في الموقف المؤيد لها. ولا أدل على ذلك من تصريحات المواطنين -ليس في العاصمة فقط بل في الداخل أيضا-لكل وسائل الاعلام الرسمية والحرة منها، وكذا قيام الشباب بفتح مجموعات على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي بهدف التوعية بخطورة المرض، والتبليغ بكل حالات التسلل بغض النظر عن العلاقة الاجتماعية بالمتسللين. هذه المجموعات كان لها الدور الكبير في إبلاغ السلطات الأمنية بالمتسللين، وإعطاء المعلومات الدقيقة عن مسارهم، ووجهتهم النهائية ما يسهل الإمساك بهم ووضعهم تحت الحجر الاحترازي. وبالتالي الوقوف أمام إمكانية نقلهم للوباء داخل البلد.
وخلاصة القول إن جائحة الكورونا وإن كانت كشفت عالميا عن الوجه السيئ واللاإنساني للنظام العالمي المتهالك، إلا أنها على المستوى الوطني كشفت -والحمد لله-عن مستوى عالي من الوطنية، وقدر كبير من المسؤولية، ودرجة عليا من الانضباط لحكومتنا، وقواتنا الأمنية والعسكرية، ومواطنينا بكل أطيافهم، كل هذا في وقت اضمحلت فيه الحسابات السياسية الضيقة، واندحرت الدعوات الفئوية والشرائحية الرجعية، وذابت الجهوية بكل تداعياتها السلبية. ولم تعد في الحلبة من صوت إلا صوت الوطن. هذه المواقف النبيلة أرى من الضرورة المحافظة عليها واستغلالها لما يخدم مصالحنا العليا. فبلدنا بأمس الحاجة إلى جهودنا جميعا، ولنتحد ولنتضامن فطريق النماء ليس مفروشة بالورود.