إذا عدنا إلى تاريخ نشأة العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا والصين حتما سننطلق من المقولة الخالدة لاب الأمة الموريتانية الرئيس الراحل المختار ولد داداه التي سطرها في مذكراته: موريتانيا على درب التحديات ؛ "وكررتُ في أكثر من مناسبة، ولا سيما في خطاباتي عن حالة الأمة في 28 نفمبر، أنني لم أجد أي تعاون تمكن مقارنته بالتعاون الصيني، فهو تعاون مثالي من جميع الأوجه، سواء في حجمه ونوعية الفنيين المكلفين بتنفيذه من أطباء وخبراء زراعيين ومهندسين وغيرهم من الفنيين، فطريقة الصينيين في البذل والعطاء لا مثيل لها، فهم المانحون الوحيدون الذين تركوا لديَّ انطباعا بأنهم يتلقون ما يمنحون، فلا تباهي ولا غطرسة بل التواضع الشديد واللباقة الكبيرة، وعندما تتوجه إليهم بالشكر على سخائهم الكبير، يقولون لك باستمرار إنه لا شكر على واجب، وأنهم يأسفون على أنهم لا يستطيعون بذل المزيد، وأن بلدهم ما زال بلدا ناميا، فيا ليت كل المانحين عبر العالم حذوا حذو الصينيين..."
خلال 55 عاما وقبل أن يرى العالم كيف كسبت الصين ود القارة الافريقية بأكملها وانتزعت ريادة الاستثمار في جل دولها من قوى الاقتصاد الغربي الذي احتل بلدان القارة واستوطن أجزاء منها وبدد خيراتها ، كان أثر العلاقة الصينية بادي للعيان في مختلف مفاصل الدولة الموريتانية ، في الاقتصاد ؛ ميناء الصداقة الرئة البحرية لموريتانية ودول افريقة أخرى ـ في الصحة ؛ مستشفيات بعدة ولايات ، وطواقم طبية وفنية مشرفة ، في مجال التعليم تشييد عدد من البنى التحتية بينها المعهد التربوي الوطني ومنشآت خدمية أخرى ومجالات شتى يصعب تتبعها...
واليوم .. بعد ارجاف وتهويل من لدن البعض لما تقوم به مؤسسات صينية بموريتانيا توظف آلاف المواطنين ممن يعيلون أسرا محدودة الدخل، وتساهم في تنمية الاقتصاد الوطني ، وبعد خمسة وخمسين عاما من التقارب الاستراتيجي الذي يخدم المصلحة المشتركة أظهر الحليف الصيني أن صداقته يعول عليها في السلم كما في الخطر ، وأبانت الصين عن جاهزيتها لمد يد العون في التوقيت المناسب والمجال المناسب ، والتضحية من أجل الأصدقاء مهما كانت الظروف ووطأتها والمتغيرات ومجاهيلها لايمكن أن تؤثر أو تشوش على الصداقة والتقارب البيني فسيرت رحلات جوية من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب لمد يد العون الطبي لبلدنا من أجل مجابهة فيروس كورونا الذي أثخن في شعبها قبل انتشاره عبر العالم وتصنيفه من لدن منظمة الصحة العالمية جائحة .
اليوم .. وما بعده إلى الأبد تدخل الصين قلوب الموريتانيين وتمسح بفعلتها درن ما نشر وافتعل من أزمات معها من لدن جماعات ضغط هي اليوم صاغرة مشدوهة لما قامت به الصين حكومة وشعبا مشكورين من تقديم يعد العون في وقت نأى فيه القريب عن جاره قبل الصديق والبعيد وأصبح التآزر والتعاون بين التكتلات الإقليمية في خبر كان .. وليست إيطاليا واسبانيا واستغاثتمها بالاتحاد الأوربي عنا ببعيدة .
فحق للبرلمان الموريتاني إنشاء لجنة للصداقة مع الصين، وحق للطلاب وخريجي الجامعات الصينية التبرع لمساعدة ووهان المنكوبة بفيروس كوفيد19 ، وحق لنا أن نشيد بتعاوننا المثمر والبناء مع جمهورية الصين الشعبية ، كما علينا أن نرفع من قيمة الدكاترة الجامعيين والطلبة الباحثين والكوادر التي تخرجت أو تكونت في الصين لتساهم بشكل أكبر وبكل كفاءة واقتدار في الدفع بعجلة التنمية في الميادين والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في ربوع وطننا الحبيب .
هذا غيض من فيض كما يقال وشذرات وخواطر أملتها الظرفية وسطرت على وقع ضجيج طائرة صينية هبطت على مدرج مطار نواكشوط الدولي أقصى غرب القارة الافريقة بعد قطعها آلاف الأميال وكل من مرت بسمائه بحاجة إلى حمولتها ولو كان بمقدوره الاستحواذ عليها لفعل..
الصين فعلا دخلت قلوب ملايين الموريتانيين .. وكسبت ودهم وود غيرهم ولن يكون من السهل نسيان أو تناسي ودها وفعلها الطيب ، والمثل عندنا يقول : "اثنان لا أنساهما من أعانني ومن أعان علي".
محمد سيديا الراجل