لماذا نمارس السياسة..؟ بدل هذا السؤال سأطرح أسئلة أخرى أقل تعقيدا وأكثر جوهرية. لماذا نعمل، ونمارس نشاطاتنا اليومية، ونجتهد في خلق علاقات وكسب ود أشخاص بعينهم، ونضع معايير تفضلية نحتكم أو نركن إليها عند اقتضاء التبرير، أو عند وجودنا على مفترق طرق يقتضي منا تحديد وجهتنا ومسارنا..؟ الاجابة على هذه الأسئلة من البداهة بمكان، بحيث لا تتطلب كبير اجتهاد أو عميق تفكير..!
نحن نقوم بكل ذلك لتحقيق مصالح معينة أو لحماية آخرى؛ لذلك نختار هذا الشخص أو ذلك النشاط استجابة لأوامر نتلقاها من مصدر التوجيه الذاتي المدفوع بمآربنا وغاياتنا..!
قد يقتضي الأمر منا هنا اختيار نوع القناع حسب طبيعة وحساسية مستشعراتنا المنفعية المرافقة والجبلية..!
وهنا قد يتوهم بعضنا وهو يمارس عملية احتيال ذهني على ذاته وعلى المجتمع أن اختيار قناع فضفاض يساوي كلمة مصلحة وطنية لايخفي خلفه غايات ذاتية، وهو توهم مجانف للصواب ويفتقر للواقعية، إذ لا يتطلب الكشف عنه أكثر من تخيل مقارنة بسيطة بين من يأكل على مائدة مشتركة يأخذ نصيبه منها موفورا، وبين من تٌصدُ يده ويتم زجره كلما حاول أن يمني نفسه بكسرة خبز على أطراف تلك المائدة..! سيكون من السهل جدا هنا تخيل أن ردة الفعل لن تكون متساوية ولا متناغمة، وسواء تعلق الأمر هنا بتقييم فردي أو جماعي فإن النتيجة ستكون هي ذاتها.
لذلك فإن اصطفافنا السياسي لا يمكن ولا يجب أن يكون خارج نطاق تلك القواعد الواقعية والتي نحاول التذاكي عليها بإضفاء صبغة اخلاقية لا تصمد كثيرا أمام متطلبات الحياة التي تفرض علينا بل وتدعونا لذلك التسيس أو ذلك التخندق..!
وبالمعني ذاته تصبح مواقفنا قابلة للتغيير، وهو تغيير مستساغ إذا ما اعتمدنا قاعدة تجنب (الاستثمار الجاف) وهو مصطلح قد لايكون معروفا بعد، لكنه يفسر حالة عدم الإنصاف والعدل في تبادل الخدمات ومد الجسور لتقوية الروابط وتعزيزهاواعطائها قابلية الديمومة والاستمرار..!
لذا يصبح من المفهوم والجلي أن الشجرة الواحدة قد تساعد في الرفع من مستوى كثافة الغابة ومن ثم زيادة الثمار والظلال، وقد يحدث أن تشكل وباء للغابة إن حجب عنها ضوء الشمس والهواء بفعل التفاف بعض الأغصان والأوراق قليلة الحياء وعديمة الواقعية.. وحتى النهر قد تنحسر مياهه وتقل إن ظل يغذي المحيط ويمده بالمياه خصوصا مع استمرار جدب السماء.. وعدم اشفاق المحيط.