حسب ما نشره موقع الوكالة الموريتانية للأنباء فإن الرئيس سيعود اليوم، على تمام الساعة الثالثة ظهرا، بحول الله وبمشيئته. سيعود الرئيس وسط استقبال شعبي حاشد وعارم، لا شك في ذلك، ولكن ذلك الاستقبال لن يغير شيئا من حقيقة "الأغلبية المفبركة"، والتي تبخرت تماما خلال الأربعينية التي قضاها الرئيس في المستشفيات الفرنسية.
سيعود الرئيس، وسيجد نفسه أمام واحد من خيارين اثنين عليه أن يختار أحدهما:
الخيار الأول: وهذا الخيار يبدو أنه ـ وللأسف الشديد ـ هو ما يدور حاليا في ذهن الرئيس، حسب ما تم إرساله من إشارات. ويتمثل هذا الخيار في أن الرئيس لن يغير من طريقة تعامله مع الأمور، وذلك لأنه لا يشعر بأن هناك فرقا كبيرا بين ما قبل الثالث عشر من أكتوبر وما بعده، إذا ما استثنينا بعض التغيرات في صحة الرئيس، والتي لا تقتضي منه حسب هذا الخيار إلا أن يمنح بعض سلطاته التنفيذية للوزير الأول، وبعض سلطاته العسكرية للقائد الأعلى للقوات المسلحة، وذلك في انتظار أن يشفى تماما من الإصابة، والتي قد يكون علاجها لا يزال يتطلب العودة إلى فرنسا، والإقامة هناك فترة من الزمن، قد تطول وقد تقصر، حسب ما سيقرره الأطباء لاحقا.
ولا يخفى حجم المخاطر التي قد تترتب على مثل هذا الخيار، فرئيس الجمعية الوطنية، والذي يعتقد بأنه قد قدم خدمات جليلة للرئيس عزيز خلال محنته، سيعتبر أن هذا الخيار بمثابة "رصاصات صديقة" يطلقها الرئيس عزيز عليه، وعلى مبادرته.
ومن الراجح بأن البدء في تنفيذ هذا الخيار سيفرض على الرئيس مسعود أن يعيد التفكير في علاقته مع الرئيس عزيز، وهو ما قد يترتب عليه فتح صفحة جديدة بينهما، وهي صفحة لن تكون أقل شراسة من الصفحة التي فتحتها المعارضة المقاطعة منذ أن قررت رفع شعار الرحيل.
وعندما يقرر مسعود العودة إلى المعارضة الصريحة للرئيس عزيز، فإن ذلك سيزيد من ارتباك "الأغلبية المفبركة" للرئيس، كما أنه سيزيد من ارتباك الحكومة المرتبكة منذ ظهورها، الشيء الذي قد ينتج عنه ارتكاب المزيد من الأخطاء والهفوات.
وسيؤدي ارتكاب مثل تلك الأخطاء والهفوات إلى أن يضطر الرئيس إلى أن يخالف نصائح أطبائه، وإلى أن يقطع علاجه للمرة الثانية، وذلك لكي يتلافى تدهور الأوضاع، وهو ما سينعكس بشكل سيء على صحته، مما سيؤدي في النهاية إلى مزيد من تدهور الأوضاع ، وهو ما ستستغله المعارضة من خلال زيادة احتجاجاتها كما وكيفا.
وبالتأكيد فإن المعارضة لن تعدم المزيد من الأنصار المتحمسين في مثل تلك الظروف، خاصة بعد أن تجاوزت "امتحان الأربعاء" والذي شهدت المسيرة التي نظمتها المعارضة خلال ذلك اليوم، حضورا لافتا، رغم أن الجميع توقع لها فشلا مريعا بعد أن ظهر الرئيس أمام قصر الإليزيه بصحة جيدة جدا، إذا ما قورنت بتلك الصورة السيئة جدا لصحته، والتي كانت ترتسم ـ بفعل الشائعات ـ في أذهان أغلب الموريتانيين، إن لم أقل جميعهم.
وفي المحصلة النهائية فإن الرئيس عزيز سيجد نفسه في وضعية حرجة جدا، وسيجد أن الخيارات التي كانت متاحة له في الأواخر من شهر نوفمبر لم تعد متاحة له في الأسابيع والأشهر القادمة.
الخيار الثاني : أن يكون من أول القرارات التي سيتخذها الرئيس بعد عودته، هو أن يحسم موقفه من مبادرة الرئيس مسعود، والتي ربما تكون هي آخر ما استلم من ملفات وقضايا من قبل إصابته. وإذا ما قرر الرئيس أن يقبل بمبادرة مسعود فإنه سيجد حينها بأنه قد أزاح عن نفسه عبئا ثقيلا لا شك أن إزاحته، في مثل هذا الوقت، ستساعد الرئيس كثيرا في استعادة صحته بشكل أسرع.
وبالتأكيد فإن كل الأمور العالقة لن يتم حسمها بقبول الرئيس لمبادرة مسعود، لأن المعارضة المقاطعة لن تتنازل بشكل تلقائي عن مطلب الرحيل، أو مطلب الشغور الذي ظهر مع حادثة رصاصات أكتوبر، وهو ما سيفتح نقاشا بين المعارضة المقاطعة من جهة مع المعاهدة والأغلبية من جهة أخرى. ويمكن أن يفضي ذلك النقاش إلى أن تتوصل الأطراف إلى أن يعلن الرئيس إما عن استقالته الفورية، وإما عن عدم نيته للترشح لمأمورية ثانية، مع اعتبار ما تبقى من مأموريته هو المدة اللازمة لفتح حوار وطني واسع، ولتشكيل حكومة وحدة وطنية، ولتسريع عملية تقييد السكان الجارية، وذلك من أجل تهيئة الظروف الملائمة لتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية شفافة .
تصبحون على الخيار الثاني.