بناء على مؤشرات عديدة ، داخلية وخارجية يمكن القول بأن بلادنا خرجت من دائرة الخطر المحدق من قبل هذا الفيروس.
وبالتالي يمكن الحديث عن مرحلة ما بعد كورونا
وأعتقد أن الخروج من هذه المرحلة بالسلامة هو مكسب بذاته فلو رضينا بالغنيمة من الإياب لكفى ، ولكن إذا تمكنا من الخروج بدروس وعبر وتوصيات تساعد على تحسين نظامنا الصحي وبقية أنظمتنا المعيشية فسنكون قد حققنا هدفا متقدما بحيث نجحنا بتحويل المحنة إلى منحة ، ومن الإستفادة من الظروف الصعبة .
وسأحاول أن أعرض تلك الفرص والتحديات التي تواجه بلادنا في هذه المرحلة مشيرا إلى أن النجاح الحقيقي هو في تغير جذري وتطور لمنظومتنا الصحية .
النجاح هو في مستوى جديد من الوعي الصحي لدى المواطن الموريتاني ..
سأحاول إن شاء الله تعالى أن أقف على مكامن التقصير والأخطاء والعلل في منظومتنا الصحية مقترحا لها حلولا مناسبا ، هادفا إلى إضاءة دروب تحسين نظامنا الصحي ، مبتغيا الأجر والثواب من عند الله تعالى العلي العظيم .
على أمل أن يكون نظامنا الصحي قائمنا على الصحة الوقائية وليست الصحة العلاجية .
وقد بينت تجارب العالم كله ضرورة أن يكون هناك نظام صحي وطني متكامل ، وأعني بذالك تكامل أركان العملية الصحية .
طاقم طبي مهني ، جيد التكوين .
أجهزة صحية متطورة وفعالة، على الأرض .
أدوية أصلية وفعالة ومحلية إن أمكن .
وأعتقد أن الطاقم موجود بنسبة مقبولة ، مع أنه من الجيد التكوين المستمر وزيادة الخبرات لدى هذا الطاقم سواء كان أطباء أو طاقم موازي .
فيما يخص التجهيز أعتقد أن الحكومة يجب أن تعكف على خطة جديدة تضمن تزويد جميع المستشفيات والنقاط الصحية بالأجهزة والمعدات الطبية المطلوبة ، ويجب أن تتسم هذه العملية بالمهنية ، لا أن تكون ، مجرد حملات إعلامية كما هو شأن النظام السابق.
الأدوية
أعتقد أن التفكير في مختبرات وطنية تنتج الدواء ، وتراقبه وتفحص جودته ، أصبح ضرورة ملحة ولم يعد من قبيل الترف الفكري .
وأعتقد أن التعاون مع بعض الدول المتقدمة سيكون مفيدا في هذا المجال ، خاصة تلك الراغبة في الحصول على بعض ثرواتنا .
على الأقل يكون هناك مقابل .
أعتقد أن الحكومة إذا لم تقدم للمواطن عملية علاجية متكاملة الأركان ، ودواء أصليا ، مضمون الفاعلية ، فستبقى حكومة عاجزة ، فاشلة .
وحسب رأيي فإن العمل الصحي السليم يقوم على التشخيص السليم فهو الأساس ، فلذالك لا بد من الرفع من كفاءة وقدرة أجهزة الفحص المخبري ، وأجهزة التصوير الطبقي المحوري ، والتصوير بالرنين المغناطيسي .
وسبق أن اقترحت على الوزارة مشروع المركز الوطني للتصوير الطبي وهو مركز يشبه مركز الوثائق المؤمنة ، ولكنه يربط بين المستشفيات ويوجد قاعدة بيانات موثقة بالفحوص التي يجريها المريض داخل المستشفيات الوطنية .
.
وأعتقد أن المنظومة الصحية الوطنية في مجابهتها لهذا الوباء قد امتلكت آليات جديدة ، آمل أن لا نرميها ، وأن نواجه بها هذه المخاطر التي تؤرق مواطنينا منذ زمن ، فلقد شاهدنا في هذه التجربة :
لحمة وطنية غابت فيها العنصرية والجهوية .
تضامنا من الفاعلين الإقتصاديين تجاه الفقراء .
وعيا صحيا بدء ينتشر .
اهتماما إعلاميا بالمواطن الضعيف وبأحوال الداخل .
تكاتف الجهود الوطنية .
والأهم عندي في هذا كله فهم القضاء والقدر فهما صحيحا لا سقيما ولا تبريريا .
ولأشرح هذا ننظر إلى حال الشخص الموريتاني .
فالمواطن عندما تذكر له وسائل الوقاية ، لا تجد منه تجاوبا .
عند ما تقول له لا تكثر من إستعمال السكر ، لا تدخن ، لا تزد السرعة .
ولكنه إذا وقع في منطقة الخطر ، يبدء ببذل ما أمكنه من وسائل العلاج ، وغالبا ما تكون متواضعة.
إذا يفرط في وسائل الوقاية ويتواكل ، ويبذل كل المتاح في وسائل العلاج.
وإذا استطعنا تغيير هذه العقلية في سلوك المواطن ، سنكون حققنا ثورة حقيقية.
إذا استطعنا أن نشرح للمواطن أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قالها أعقلها وتوكل ، وأنه بالإمكان تجنب المخاطر قبل وقوعها سيكون إنجازا عظيما .
عندما نحارب الأخطار المستوطنة بنفس الطريقة التي حاربنا بها هذا الوباء ، فهنيئا لنا وأقصد بالأخطار المستوطنة :
حوادث السير ، وقد خفت في المرحلة .
الجرائم من قتل وجرح .
الأورام بأنواعها ، مرتبطة بسلوكيات معينة .
السكري .
الضغط.
الفشل الكلوي.
الكبدي .
التدخين.
المخدرات .
ضعف التغطية الصحية ، والأخطاء الطبية .
وهنا أتذكر في يوم من أيام العام الماضي كان دمويا ، وقتل قرابة ثلاثون شخصا في صدام بين حافلة وشاحنة .
خرج البعض ليقول قضاء وقدر.
متى كان القضاء والقدر لتبرير فعل ؟
لم نحاول أن ننزع المسؤولية عن الجاني .
إن الدولة تتحمل مسؤولية في تقصيرها ، وشركات النقل تتحمل مسؤولية نظرا لما تقوم به من مخاطرة بالسرعة الفائقة ، والسائقون يتحملون مسؤولية كبرى .
لكن عندما ننزع المسؤولية نظل ندور في دائرة مفرغة .يتبع