بعض الدروس المستخلصة من جائحة كورونا / محم ولد الطيب

منذ أن بدأ فيروس كورونا يكتسح العالم منتقلا من بلد إلى آخر بسرعة مفرطة تضاهي سرعة انتشار النار في الهشيم، فإنه بذلك قد طفق يعمل بشكل قسري على تغيير  أساليب الحياة و العقليات المتجمدة من جذورها، وبدأ الناس يدركون أنهم أمام واقع جديد يتطلب استنفارا غير مسبوق ضد جائحة لم يعرف العالم لها مثيلا   في الزمن القريب وإن كانت  ثمة أوبئة اجتاحت العالم في العقود الماضية إلا أنها لم تكن بحجم الخطورة وسرعة العدوى كما هو الحال مع فيروس كوفيد -19 الذي ضرب العالم على حين غرة في وقت كان العالم يغط في غفلة كبيرة وفي وقت لا شغل للقوى العظمى فيه غير الاستعداد اللوجستي للحرب وكأنها نسيت أن الحرب قد لا يكون طرفاها كائنات بشرية، بل قد تكون بين الإنسان والطبيعة وما تلغي به إليه من أمراض وأوبئة وما تطرح أمامه من تحديات، ولئن كان العالم قد خُيِّل إليه أنه قد حسم معركته مع الطبيعة عن طريق السيطرة عليها بفضل العلم، فإن تلك المزاعم باتت أكذوبة مكشوفة في زمن الكورونا. لقد عرى كورونا القوى العظمى وأظهرها عاجزة خائرة القوى وفاقدة للحد الأدنى من القوة الذي يخولها مواجهة فيروس كورونا المستجد حين اكتسح الحِمى وعبر الحدود وتجول بين الأمصار دون تأشيرة، وكأنه يقدم للعالم دروسا في الحضارة والعلم والأخلاق.

لقد استطاع كورونا أن يجعل العالم يدرك قيمة الحرية  حين أضحى أكثر من نصف العالم في الحجر المنزلي.

كما أعطى للعالم درسا لن ينساه وهو أن السلاح قد يفتك بالإنسان، لكنه لا  قد يستطيع انتشاله من بين مخالب الموت ولاسيما إن كان الموت مصدره فيروسا لا يفقه لغة السلاح ولا يحفل بها.

أما في بلدنا موريتانيا   فقد كانت الدروس التي اضطلع كورونا بتقديما أكثر تخصيصا، فقد استطاع تعويد الناس تدريجيا على احترام  القانون بشكل نسبي لكنه مبشر هام على استعداد الإنسان الموريتاني للتعاطي مع دولته ومطاوعتها في احترام ما تراه جديرا بالاحترام.

كما تبين  للمواطن الموريتاني أهمية التلاحم الاجتماعي وضرورة التقارب بعد أن فرض كورونا التباعد القسري، وأدرك  أهمية السلم، لا سيما أنه بات يرى هذا الفيروس الضعيف الذي لا يرى بالعين المجرد قد ألجأ الجميع وأقعدهم في منازلهم، فكيف لو كانت حربا من عدوي معلوم. سيكون الوضع لا شك أكثر مأساوية.

لقد تبين للشعب الموريتاني جراء كورونا هشاشة نظامه ومحدودية قدراته في مواجهة الأزمات على جميع الأصعدة؛ قد لا يكون ذلك ناتجا دائما عن تقصير متعمد لكن محدودية الوسائل وسوء التسيير قد أوصلا إلى هذه الوضعية الحرجة.

ثمة درس آخر استفادناه من كورونا وهو ضرورة الاعتماد على النفس وضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي من كل المنتجات الضرورية؛ لأن هذه المنتجات باتت في زمن الأزمات وسيلة  ضغط واستعباد غير مباشرة. وذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للبلد أحيانا، وهنا لا يفوتني أن أحيي الصناع التقليديين الموريتانيين الذين اضطلعوا بصنع كمامات محلية كمساهمة منهم في الحد من التأثيرات السلبية للمترتبة على كورونا. هذا فضلا عن أن كورونا قد فرض نمطا حضاريا جديدا على المجتمع الموريتاني، حيث فرض عدم الاختلاط المفرط وفرض النظافة الدائمة وغسل الايدي بالصابون والمطهرات؛ وهي عادات لم يكن المجتمع يعيرها أدنى اهتمام رغم انعكاساتها الإيجابية على الصحة بشكل عام.

وأخيرا استطاع كورونا خلخة البنيات الاجتماعية في المجتمع الموريتاني، الأمر الذي يجعله قابلا للتغيير نحو الأحسن فيما بعد جائحة كورونا.

15. أبريل 2020 - 17:57

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا