قراءة في أهم معوقات العملية التربوية فى موريتانيا / عبدر الرحمن ولد حبسه

لقد اعتمد الموريتانيون منذ أمد بعيد على التعليم المحظرى فكانوا بداة ينتجعون يمنة ويسرة يتتبعون المزن  أينما أمطرت.

ورغم أن الفضاء فضاء متحرك والمجال مجال واسع فقد ضربوا أكباد الإبل متحدين بذلك معوقات الزمان والمكان ليتذاكروا شوارد العلم وطريف الحكاية والأدب، فقد كان علماؤنا سدنة العلم رغم شح المصادر والكتب، فقد استجلبوها من المغرب والمشرق فكانوا فى البداية يتراسلون مع علماء زمانهم من الاقطار الأخرى،  وعد إلى كتاب السيوطى الذى حوى بعض الاستشكالات التى وفدت إليه من بلاد التكرور أيام كنا نعرف بهذا الاسم وكانت المناهج أيامها تركز على علوم القرءان والحديث والفقه واللغة العربية أي ما اطلق عليه اصطلاحا علوم الآلة والغاية،  وهكذا وبعد ردح من الزمن استطعنا إنتاج ثقافة عالمة وعلماء كبار كانوا سفراء علم فى كل السباسب والحواضر أمثال ول اتلاميد وولد حب الله والولاتى والحاج محمود باه وغير هؤلاء.  وقد غصت مكتبات العالم بالمصنفات والمؤلفات التى سطرتها أنامل علماء البلد وانتجتها افكارهم وعبقرياتهم. 

 

فى خضم هذه الحياة البدوية كان شيخ المحظرة يمتاز بالجد والصرامة، وكان الطالب كذلك و كان المجتمع يعامل هذا الشيخ باحترام ويغدق عليه بالأموال فكانت العطايا والهدايا تفد إليه من الأحياء البدوية المترامية فى الصحراء فلم يشعر يوما أنه صاحب حاجة لابد ان يلجا إلى التكسب  خارج العلم، فالسمة الغالبة لشيوخ المحاظر قديما تفرغهم للعلم لأنهم وجدوا مجتمعا احتضنهم ولبى رغباتهم ومتطلباتهم المادية فالطباع وقتها طباع ماتزالت تقدر العلم وأهله وكان العلماء أيامها ينقحون المعلومة فيميزون غثها وسمينها فلا يأخذونها بعجرها وبجرها حتى صارت محاظرنا جوامع متنقلة وقد ورد ذلك اللقب  عندالخليل النحوى فى كتابه المنارة والرباط و هكذا كان التعليم  فى القديم وهكذا كان أهله

 أما التعليم مابعد قيام الدولة الوطنية فقد عانى من الكثير من المعوقات ففى البداية احتدم الصراع بين العروبيين والمتفرنسين فكانت المناهج تزاوج أحيانا بين التعريب والتفرنس  وبين التعريب أو التفرنس الخالص أحايين اخرى مما خلق نخبا مثقفة متنافسة غير متفاهمة شكلت اللغة المعوق الأساسي، وهكذا ظلت مخرجات التعليم فى البلد تتقاذفها أمواج الإصلاحات المتكررة التى لم تأت بجديد، فالمناهج لم يتم تطوريها ولاتحديثها، فقد لاكتها ألسن المربين والتلاميذ من كثرة تردادها عاما بعد عام وجيلا بعد جيل، فى حين أن أصحاب المهنة الأساسيين ومحركيها يعيشون بطالة مقننة رواتب زهيدة لاتغنى من جوع  إذ لا تغطى تكاليف الحياة الجمة ناهيك عن النظرة التى بات المربى ينظر اليه بها من لدن المجتمع نظرة ازدراء واحتقار فمعيار النظرة مادي فلم يعد ينظر إليه كما كان ينظر إلى شيخ المحظرة قديما   فالمرس أصبح يقاسي الأمرين، ففى الفصل اكتظاظ وتهالك بنية تحتية من فصول وسبورات وطاولات وغياب الأمن فقد يعترض سبيله قاطع طريق ممن يفترض أنهم تلامذته الذين يدرسهم وإن عاد الى الشارع أو البيت نظرة ازدراء ومشاكل مادية يعجز عن حلها والوفاء بكل مسؤؤلياته  والحقيقة التى يتجاهلها ساسة البلد هى أنه لايمكن النهوض بالعملية التربوية مالم نضع المدرس فى ظرف مادى محترم ونجزل له الراتب كما كان المجتمع قديما يجزل العطاء لشيخ المحظرة فأنتج جهابذة فلو كان المدرس يتقاضى مرتبا محترما يكفى لكل حاجيات الحياة لأنتجنا جيلا قادرا على بناء الدولة والمجتمع، فلنضع المربي فى مستوى مادى محترم ونجلسه تحت جذع شجرة أو على ظهور العيس فسيصنع المستحيل ولنحذوا حذو السنغافوريين الذين رفعوا من قيمة المدرس فكان لهم ما أرادوا من تقدم وازدهار تكنولوجى واقتصادى ورحم الله ول  بون حين قال

   ونحن ركب من الأشراف منتظم

 أجل أجل ذا العصر دون أدنانا   

قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة 

بها نبين دين الله تبيانا

 ذا العصر قدرا دون ادنانا  

 فكيف يمكن أن نسكت تأوهات المدرسين وكيف نصنع المعجزة. أقترح اقتراحا نابعا من روح وطنية جادة  أن يقوم الساسة بوضع سياسة واضحة المعالم فى مجال التعليم تراعى الجانب المادى للمدرس مع مراعاة المناهج وذلك بغربلتها وتحديثها مع مراعاة الحد من الاكتظاظ داخل الفصول واعتماد مبدا المكافاة على أساس التميز والتفانى فى العمل دون محاباة لكي يحس الجميع أن للعمل قيمة وأن المتفانى  فى عمله ليس صنوا للمتلاعب به كما أن للشرطة المدرسية دورها فى خلق جو السكينة فى المحيط المدرسى لاسيما فى كبريات المدن إضافة الى ماسبق التكثيف من دورات التكوين ومن المنتديات التى تهدف الى النهوض بالعملية التربوية وأشراك المدرسيين الميدانيين فى وضع أي سياسة رامية لإجاح العملية هذا فضلا عن توفير كل المستلزمات وبذلك نضمن عملية تربوية ناجحة.

21. أبريل 2020 - 21:42

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا