الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد؛ فسأشرع بحول الله وقته عند رؤية هلال شهر رمضان المبارك في نشر سلسلة حلقات مختصرة من كتابي: "التنويه بعقيدة التنزيه" والذي حظي بتقديم شيخنا العلامة حمدن ولد التاه رئيس رابطة العلماء الموريتانيين حفظه الله وبارك في عمره.
وقد دعاني لتأليف هذا الكتاب رغم ما أعرفه في نفسي من عدم الأهلية للتأليف هو ما لاحظته من تفشٍ للجهل بأصول الدين في زماننا، حتى بين من يمكن أن نصفهم بالنخب المتعلمة، هذا بالإضافة إلى تخلي أغلب علماء الأمة عن واجبهم في جواب سؤال العقيدة، كل ذلك وغيره يفرض على أمثالي من الباحثين المبتدئين وأصحاب البضاعة المزجاة التصدي لمحاولات التشويش على عقيدتنا الإسلامية الصحيحة، لأن الواجب الكفائي يصبح عينيا في هذه الحالة.
فتزامنا مع التراجع البين الذي شهدته المراكز التقليدية للإشعاع الفكري لأهل السنة والجماعة كالأزهر الشريف في مصر، والزيتونة في تونس، والقرويين في المغرب...إلخ، مع بداية القرن الهجري الحالي ونهاية القرن الماضي برز تيار جديد في أسلوبه، قديم في أفكاره، انتسب للسلف الصالح وأدعى أنه الممثل الوحيد لأهل السنة والجماعة!، وقد استطاع هذا التيار بفضل موارده المادية أن ينشر فكره - في مختلف أنحاء العالم الإسلامي- عبر وسائل عدة من بينها حديثا القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية، وقديما تكوين الدعاة من مختلف البلدان الإسلامية وكذلك الأشرطة الدعوية:(المسموعة والمرئية) والكتب التي ينفق عليها بسخاء، هذا بالإضافة للجمعيات الخيرية والمعاهد الشرعية التي يسهر على دعمها وتمويلها بكل ما يلزم.
ومع ما يمكن أن نسجله لهذا التيار من خدمة للإسلام والمسلمين بكل موضوعية وأمانة، من تشييد المساجد، و وتأسيس الجمعيات الخيرية..، فإن ما نسجل عليه من أخطاء أكبر بكثير، مثل وقوفه وراء نشر كتب التكفير والفكر المأزوم إلى أخطائه الفادحة التي تسببت في حروب عبثية لهذه الأمة كانت في غنى عنها بفعل تحريشه لدول كبيرة.
ومن الصدف التي فقدت عنصر المفاجأة مع الزمن ، أن أغلب المشمولين في ملفات أمنية تتعلق بالغلو والتطرف والإرهاب في بلادنا الإسلامية، وفي بقية أنحاء العالم هم من أبناء هذا التيار فكريا.
كل ذلك وغيره جعل بعض الدول تعيد حساباتها مع هذا الفكر حربا، أو حصارا، أو تقويما، ومراجعة، بما في ذلك الدول التي احتضنته ردحا من الزمن.!
غير أن هاجس الحفاظ على الأمن القومي واستقرار الأوطان، يعد المحرك الأبرز للحروب التي ما فتئت بعض الدول تشنها هنا وهناك، وإن كنت على يقين بأن الأفكار والقناعات، لا تنتزع بقوة السلاح، وأن حروب الاجتثاث المستعرة ضد المتطرفين من التيار "السلفي" هي في الحقيقة حروب عبثية، قد تزيد من أنصار التطرف داخل التيار فتصبح نتائجها عكسية.
ومن نافلة القول: إن في التيار السلفي علماء يرفضون التطرف ولا يقرونه تحت أي ظرف، وهم وقد برزت في الآونة الأخيرة أصوات من داخل هذا التيار تدعوا إلى مراجعة بعض الأفكار والتصورات العقائدية والفكرية عند الجماعة.
أما بالنسبة لنا كمسلمين فالأولى في نظري أن نخشى على ديننا وعقيدتنا من التطرف الفكري لهذا التيار أكثر من خشيتنا على أمننا وأنفسنا كأفراد وجماعات.
فيجب ألا نظر إلى خطر التطرف على الأنفس البشرية فحسب –وهو لعمري أمر جلل- وإنما ننظر أيضا إلى خطره على صورة الإسلام كدين وعلى عقيدتنا كمسلمين، فالإسلام عقيدة وشريعة، والعقيدة هي الأساس، (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ).
فما تزخر به كتب التيار "السلفي" وما تحاول بعض وسائل إعلاميه ترسيخه من مفاهيم يهدد العقيدة قبل الأمن، فقد تعالت من داخل هذا التيار أصوات عدة تشبه الله سبحانه وتعالى بخلقه، وحاول بعض تلك الأصوات بشكل صريح أن يجعل الذهن قادرا على تصور ذلك الإله وتخيله ونحو ذلك مما تقشعر منه الأبدان ولا يمت إلى تنزيه الله تعالى بصلة.
بينما بح صوت المنوهين بعقيدة جمهور المسلمين على اختلاف فرقهم وطوائفهم وهي "تنزيه المولى سبحانه وتعالى عن مشابهة الحوادث"، إلا في حالات نادرة، وسيتضح للقارئ الكريم من خلال هذا البحث أن هذه العقيدة كفيلة بأن تكون أرضية مشتركة للمسلمين في عصر التكتلات العالمية، كما سأكشف من خلاله، وبالأدلة والبراهين: الأخطاء المنتشرة في كتب ما يسمى بالتيار السلفي والمتكررة في قنواته، لاسيما المتعلقة بذات الله سبحانه وتعالى وكيف أنهم خرجوا على عقيدة التنزيه وإن ادعوا وصلا بها.
واخترت لهذا الكتاب عنوان: "التنويه بعقيدة التوحيد والتنزيه"، وقد عدلت بذلك عن العنوان الأول للكتاب وهو:(رعد التنويه بعقيدة التنزيه) حتى لا أستفز بواعث التعصب عند البعض، فهدفي من هذا البحث أن يجتمع الموحدون على "عقيدة التزيه" لا أن أساهم في زيادة الهوة والشرخ.
وهذا الكتاب الذي أقدمه للمتخصصين والباحثين، والمسلمين بصفة عامة هو عبارة عن رسالة صادقة أوجهها من شغاف القلب، رسالة مشفق يحزنه أن يشاهد ويسمع من يشهد لله بالوحدانية ولنبيه الرسالة ويزعم أن منزه بينما يثبت لله صفات الأجسام وصورة الإنسان تعالى الله عن ذلك.
رسالة أحاول من خلالها أن اتجاوز لغة السب المتبادل التي طغت على الكثير من كتب تراثنا الإسلامي لاسيما المتعلقة بالعقيدة، والتي استنسختها الكتب المعاصرة.
وأملي في الله كبير، أن يطالع هذا الكتاب بعين البحث عن الحق والبرهان، لا بالأحكام المسبقة التي لا ينتفع صاحبها بحق ولا يهتدي بنوره.
قال تعالى: (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ،وقال تعالى: (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، قال: قيل: يا رسول الله ادع على المشركين قال: «إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة»
وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سبابا، ولا فحاشا، ولا لعانا".
لذا أرجو أن يكون هذا الكتاب دعوة بحكمة وموعظة حسنة، وحوار بالتي هي أحسن، وأن يخلو من لعن المخالف والفحش في القول، وأن يصغي الجميع لما أردت أن أعبر عنه وأنا أتتبع مئات المراجع لأبرز أصدق البراهين وأقوى الأدلة ولأنوه ما وسعني ذلك بعقيدة جمهور المسلمين، ولأقول لكل الفرق الإسلامية: كفانا فرقة وتعصبا، فربنا سبحانه وتعالى يحذرنا بقوله:{الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا}؛ وقوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}وقوله: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} قال الإمام الطبري "أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمِراء والخصومات في دين الله."
فتعالوا إلى كلمة سواء ومحجة بيضاء نوحد الله فيها وننزه، ونبتعد عن السباب واللعن والفجور في الخصام، ونركز على الحجة والبرهان فحري بالعبد المخلص في البحث عن ما يرضي ربه، إذا شاهد نور الحق أن يهتدي به.
والله أسأل أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأن يجعلنا ممن نصر به الدين.