حول مشروعية استدعاء رئيس الجمهورية السابق / الحسين محمد الأمين

يتداول الناس هذه الأيام خبر استدعاء اللجنة البرلمانية لرئيس الجمهورية السابق السيد محمد ولد عبد العزيز ، و يبدو أن الامر أثار الكثير من الكلام و التحليل حول مشروعية استدعاء الرئيس السابق ، و لكشف اللبس الحاصل عند البعض و من أجل انارة الرأي العام و خاصة النخب القانونية ، فإنني أتقدم بهذه الإيضاحات المفيدة - لمن أراد الفائدة - و المحددة للضوابط التي اختلف فيها ، انطلاقا من الدستور الموريتاني 1991 المعدل و المتمم في سنوات 2006-2012-2017 .

أولا : حول رئيس الجمهورية

حدد الدستور الموريتاني 20 يوليو 1991 المعدل  طبيعة مؤسسة رئيس الجمهورية في الباب الثاني المتعلق بالسلطة التنفيذية ، و حدد بشكل مفصل الصلاحيات العامة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية فهو حامي الدستور و الضامن بوصفه حكما السير المضطرد لمؤسسات الدولة و هو أيضا الضامن لاستغلال الدولة و حوزتها الترابية المادة 23 من الدستور .

و هو من يحدد السياسة الخارجية و الدفاعية و الأمنية للدولة ، و يعين في الوظائف المدنية و العسكرية و يعتمد السفراء و يعتمدون لديه ، و يمضي المعاهدات (36)، و له حق العفو و خفض العقوبة و استبدالها (37) .

لا يخفي أهمية مركز رئيس الجمهورية في النظام الدستوري الوطني أسوة بالدساتير الفرنسية المتعاقبة ، و تعد السلطات الواسعة لرئيس الجمهورية سببا في الخلط بين العرفي و الدستوري ، حيث درج رؤساء عديدون علي ممارسة صلاحيات لم ينص الدستور عليها ، و هكذا رغم النص علي أن رئيس الجمهورية يعيين في الوظائف المدنية و العسكرية ، لكن لم يحدد مستوي تدخل رئيس الجمهورية في السياسات القطاعية المختلفة ، و هو أمر دارج في معاملات السلطة عندنا .

ثانيا : مسائلة رئيس الجمهورية

رغم ان النظام الداخلي للجمعية الوطنية لم يتضمن صلاحيات استدعاء الرئيس مكتفيا بالتفصيل حول مسؤولية رئيس الوزراء و أعضاء الحكومة الاخرين ،  فقد تضمنت المادة 93 من دستور 20 يوليو 1991 أن رئيس الجمهورية لا يكون مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمي و معلوم أن هذه المادة تتماشي مع طبيعة النظام الرئاسي الإستبدادي التقليدي حيث ظل هذا التعبير مبهما و سببا في إفلات الكثير من الرؤساء من العقاب ، مع أننا في هذا البحث سوف نتطرق الي أكثر المقاربات التي تناولت هذا المصطلح فقد ذهب الفقيه اندري هوريو (1897 – 1973 )بأن تعبير الخيانة العظمي تعبير غامض يقصد به بصفة عامة الجرائم السياسية التي تهدد المؤسسات او المصالح العليا للبلاد و أعتبر الفقيه الدستوري فيدل أن الخيانة العظمي تكمن في الإهمال الشديد من قبل رئيس الجمهورية للواجبات الملقاة علي عاتقه و قد عرفتها الموسوعة السياسية الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات و النشر في لبنان بأنها العبث بأمن الدولة الداخلي و الخارجي و التآمر علي حقوق الشعب المشروعة .

فرغم اعتقادنا ان الخيانة مهما كانت لا بد أن تكون مستندة  الي أمانة ما فهي شرط في وجودها (الأمانة شرط في و جود الخيانة ) فلا خيانة بلا أمانة ، و أمانة رئيس الجمهورية هي حماية الدولة و ثروة الشعب و إرساء العدالة و المحافظة علي النظام ، فمتي كان التفريط في إحداها كانت الخيانة عظمي بعظم صاحبها (رئيس الجمهورية ) .

 و الخيانة العظمي لفظ يدل علي كل شيئ مخالف للقيم المتعارف عليها ، ومنها خيانة الشعب و التفريط في مقدراته و ثرواته ، و منها خرق مبدأ الفصل بين السلطات بالتدخل في شؤون القضاء و توجيهه لأغراض ذاتية ، و منها إدارة الملفات التي في عهدة الوزارات و الإدارات و المشاريع المختلف في الدولة الجمهورية

صحيح أن شخص رئيس الجمهورية يمثل السيادة الوطنية ، لكنه مسؤول عن أفعاله غير المشروعة ، مسؤولية سياسية أو جنائية ، و هنا لا يمكن أن تكون الحصانة سببا في الإفلات من المسؤولية و العقاب كما هو الحال في القانون الجنائي الدولي حول مسؤولية القادة و الرؤساء ، حيث يقع الاتهام في حقهم و تصدر ضدهم أوامر القبض ، لكن ما يهمنا في هذا المقام هو مسائلة رئيس الجمهورية أمام اللجنة البرلمانية المنشأة للتحقيق في ملفات محددة ، رأت انها أكثر خطورة علي الشعب و ثروته من غيرها لا حصرها ، فلا يختلف اثنان علي خطورة النهب المتواصل للثروة السمكية من طرف العملاق هوندونغ الصينية ، و لا هما يختلفان حول إفلاس سونمكس و إغراق اسنيم بالديون و التنازل المشبوه عن مناجم الحديد و النحاس و الصفقات المشبوهة في المواد الغذائية و الاعلاف و منح الامتيازات المخالف للقانون في الموانئ و المطارات و القائمة تطول ..ليس أهونها خرق الدستور و اللجوء الي الاستفتاء قسرا من أجل تمرير تعديلات غير توافقية .

ألا يكفي هذا للمسائلة أو علي الأقل الشعور بأن الخيانة العظمي قد أرتكبت في حق هذا الشعب ، و أن بعضا من أبنائه تآمر علي خيراته و أمواله ولم يٌبقي له غير الفقر و البؤس البطالة و الغلاء ؟ ألا يمكن اعتبار اللجنة البرلمانية ممثلة لإرادة الشعب – و هو مصدر السلطة - في المسائلة و التحقيق حول العشرية الماضية ؟.

ثالثا : حول لجنة التحقيق البرلمانية

طبقا للمادة 123 من النظام الداخلي للجمعية الوطنية يمكن تشكيل لجان تحقيق برلمانية بهدف جمع معلومات عن وقائع محددة ، وهذا السبب يكفي لتكريس عبثية عمل مثل هذه اللجان خاصة في مجتمع مثل المجتمع الموريتاني حيث يقف العامة علي تفاصيل الحياة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للمختلف أجهزة الدولة اكثر من الاعلام نفسه .

لم تشأ إرادة المشرع في النظام الداخلي للجمعية الوطنية ان يكون  دور اللجان البرلمانية المنشأة للتحقيق اكثر من  تقصي الاخبار و جمع المعلومات حول وقائع محددة ، فلا ينتظر الشعب الموريتاني - المسكون بحب الاطلاع  - من مثل هذه اللجان غير جعجعة بلا طحين .

تتعارض مهمة اللجنة البرلمانية المنشأة بالتوصية رقم 001/2020 ، مع الإجراءات القضائية الجارية حول ملف سونمكس و انير مثلا ، حيث يؤدي اشعار وزير العدل بايداع مقترح التوصية الهادف الي تشكيل لجنة تحقيق برلمانية الي اثارة المتابعات القضائية المرتبطة بأحد المواضيع المثارة في التوصية مما يؤدي الي توقيف نقاشه نهائيا .(المادة 125 من النظام الداخلي للجمعية الوطنية).

فهل كانت الجمعية الوطنية علي اطلاع بملفات القضاء المسببة لبطلان عملها ؟ ام انها لا تدري ان مبدا الفصل بين السلطات يقضي ان تكون المتابعات حول الجرائم و الجنح من اختصاص القضاء لا يمكن التنازل عنه ، ان استمرار عمل اللجنة و الحالة هذه يضعنا في دائرة الاستفهام حول مشروعية عملها و أهدافها ، اضف الي ذلك إيداع مقترح توصية حول توسيع دائرة التحقيق علي بعد ستين يوما من تقريرها النهائي ، ألم تكن القضايا المضافة حاضرة وقت انشاء التوصية رقم 001/2020 ؟

للجنة البرلمانية ان تحقق مع رئيس الوزراء و أعضاء الحكومة الاخرين و لها ان توجه الاتهام اليهم ، و دفعهم للاستقالة بعد التصويت علي لائحة الاتهام من قبل الاغلبية المطلقة للنواب، و هذا يوحي الي ان عمل لجنة التحقيق يكمن في متابعة و رقابة الخروقات الجارية اثناء التسيير ، و استغلال السلطة و مخالفة القوانين و النظم الجارية ، حتى يكون مبررا للاستقالة و المسائلة ، اما مسائلة الوزراء و المسؤولين الاخرين عن افعالهم بعد انقضاء مأموريتهم فهو لاثارة المسؤولية السياسية فقط دون غيرها و بتالي يعتبر التجاوب معها سياسيا  لا جبريا – بالنسبة لمن هم خارج المسؤولية - حيث تتم ملاحظة عدم التجاوب  في تقريرها النهائي ، و يتم إحالة الاستدعاء الي رئيس الجمهورية بالنسبة لاستدعاء رئيس الوزراء او الي رئيس الوزراء بالنسبة لاستدعاء باقي أعضاء الحكومة .

و بعد كل ذلك لنا ان تذكر بالمسؤولية التضامنية للفريق الحكومي و هذا يشمل مختلف الطيف الحاكم حاليا ، مما يؤدي الي ارباك المشهد السياسي ، و تجاوز الصلاحيات و هي أمور موجبة لوقف مثل هذه التحقيقات ، و إحالة المعنيين الي الهيئات القضائية و الضبطية المختصة .

 

 الحسين محمد الأمين باحث في مدرسة الدكتوراه بجامعة نواكشوط العصرية

21. أبريل 2020 - 23:10

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا