خلال أكثر من اربعة عقود من الزمن، شغل التدافع العسكري، بل والفبلي الغئوي العنصري الجهوي، على السلطة والثروة، شغل من تولوا امورنا، طوعا او كرها، عن انتهاج سياسات تنموية متدرجة ومتعقلة، تبني على ما كان نظام النشاة قد ارساه من بنى صناعية وإنتاجية، ليصل إلى تقديم نموذج في التنمية الوطنية، كان الموريتانيون قد حلموا به، وشاموا بروقه مع نظام الاستقلال؛
وعلى العكس من ذلك، سحقت طاحونة الفساد التي شادها المتنافسون، كل المشاريع الإنتاجية الواعدة، وكل الصناعات الصغيرة، واغتالت ديناصورات الفساد وحيتانه السمينة، كل مشاريع وبنى الحلم الوطني الجميل، فتوقفت وافلست ودمرت، لصالح تنافس بارونات التوريد العشوائي من شتى اصقاع المعمورة، الذين استباحوا السوق الوطنية بالمنتجات الاستهلاكية الردييئة، لتتكرس في ظل استشراء البطالة، الطبيعة الاستهلاكية الاتكالية التي باتت سلوكا ملازما للمجتمع، في حياته الاقتصادية؛
في مغبة الفساد، أصبحت مدن نواكشوط ونواذيبو، مكبات لمختلف انواع المنتجات والصناعات الاجنبية، وسوقا تغرق البلاد بمنتجات الآخرين، فيما فشلت أحلام القطب التنموي الجهوي التي داعبت عواصم الولايات ذات يوم، فباتت، وقد هجرتها نخبها والفاعلون من ساسة واقتصاديين إلى مدن وأسواق نواكشوط ونواذيبو وازويرات، ثم اتخذوها مقر إقامة دائمة، باتت مدن الداخل إذن، مجرد اسواق بدائية لمقايضة بعض الحاجات الضرورية للرعاة من البدو الرحل؛
اليوم، وقد فرض علينا وباء الكورونا هذا الإغلاق الكامل، وقد تسلم السلطة رئيس منتخب ديمقراطيا، تنوء وعوده وتعهداته بوسائل الإعلام، يسهل استنتاج الحاجة الماسة إلى قيام قطب تنموي حقيقي في كل ولاية، يكون قادرا، فضلا عن متطلبات التنمية الوطنية، على تلبية الحاجات الحيوية لكل ساكنة الولاية وما جاورها؛ وتوفر اليوم مجالس الجهات، عديمة المردودية، الفرصة والإطار المثالي لتكليفه، في كل ولاية، وتحت رقابة الحكومة، وبدعمها المادي والمعنوي، بإرساء قطب تنموي جهوي حقيقي، في عاصمة كل ولاية؛
من شان القطب التنموي الجهوي بل ومن دوره ومبررات وجوده الأساسية، ان يشجع الفاعلين الجهويين والمحليين، في مجال الثروات الحيوانية والزراعية، والغابات المنتجة، ومن الحرفيين واليد العاملة، ومن أصحاب المعارف والثقافات المحلية، تشجيعهم على تثمين الاقتصاد والكفاءات المحلية، والاستثمار فيها؛ كما من شانه ان يغري الساكنة بالبقاء في مناطقها الأصلية، مما سيساهم في توقف الزحف المتواصل الذي يفرغ مدن الداخل من قواها الحية، ويضاعف الضغط على نواكشوط ونواذيبو وازويرات؛
فهل من مدكر؟!