يعتبر عنوان هذا المقال فقرة من كلام للفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو، تعبر ببلاغة عن المعايير التي تجعل من النصوص المكتملة من حيث البنية والميكانيزمات، في مرتبة عالية فوق الكلام ومجرد الكلام اليومي.
ورغم أن الخطاب الإعلامي أبسط سبكا وعمقا من النصوص الأدبية، إلا أنه يشترك معه في الجودة واكتمال الصورة، والدلالة، فالغموض يقتله، والنقص يهدره.
فللعمل الصحفي بشكل احترافي لكشف أي تلاعب، لا بد من اتباع الخطوات الاستقصائية في البحث وجمع المعلومات، ومقابلة المعنيين، ومقابلة الأقوال ومناقشتها، ثم الوصول إلى الأدلة ومعرفة المسؤول/المسؤولين، ثم التوجه إلى المسؤول للمواجهة وفي جعبة الصحفي الأدلة والقرائن، لإفحامه وجها لوجه، من أجل معرفة الحقيقة أو الإعتراف.
أما في حالة عمل الأخبار وهي مؤسسة عريقة في موريتانيا ولها وزنها في المشهد الإعلامي نراها - للأسف - قفزت عن كل الدرجات المنطقية، مستعجلة على قول ما يتنافى مع المصداقية.
فبقدر ما تقدم من معلومات مبعثرة تتراجع قبل أن تنهي الاستقصاء وتكشف عن مجموعة من الأمور بطريقة تجعلها غامضة للضرب بمصداقية من يفترض فيه أنه متلاعب، ولا تترك فرصة للدفاع عن نفسه أو تحسين صورته بعد تشويهها.
ويظهر ذلك جليا في اتخاذها للموضوع بشكل شخصي لبروز الصحفي وهو ينشر تارة على صفحته الخاصة، وتارة أخرى، على موقع الوكالة، مقدما بعض الدعامات التي لا تقوم مقام أدلة، بل هي حصيلة خريطة البحث، ما تزال بحاجة للتعميق والشهادات، والمقابلات والأقوال.
ثم إن الصحافة الاستقصائية إنما تبدأ من حيث الضرر الذي خلفته الظاهرة المدروسة، وبشرط أن تكون قد تأثر وتضرر منها عدد كبير من الناس، وذلك ما لا ينطبق على دوامة الاتهامات التي يقدمها زملاؤنا الأفاضل بموقع الأخبار، والتي لا تعدو كونها حملة موجهة لتشويه عمل حكومي اتخذ وجه السرعة - مع احترامه للقانون - نتيجة الظرفية الخاصة وتسريع استفادة طبقة واسعة من الشعب الموريتاني.