إلى رئيس الجمهورية: حتى لا أضطر يوما للتنكر لك..!! / أحمد ولد الحافظ

كنتُ من الأوائل الذين استبشروا خيرا بكم؛ بل وراهنوا عليكم.. ولأنني لا أريد أن أخسر الرهان، ولا أرى أن المراهِن عليكم يستحق ذلك... ولأنه كان من دوافع رهاني عليكم تصوري استعدادكم؛ بل وقدرتكم على الاستماع لكل الأصوات... لتلك الأسباب مجتمعة، وأخرى لا يسعها الحيز؛ سامحوني أن أستعير -مؤقتا- كرسي الناصح؛ حتى وإن كان مقامكم رفيعا، وبضاعتي مزجاة..!

سيدي الرئيس؛ في اللقاء الذي جمعني بكم قبل سنة -بالتمام والكمال- من هذا اليوم، وأثناء عرضكم لمشاكل البلد "البنيوية" استعرضتم -فيما استعرضتم- عدم استفادتنا من التراكم، قائلين إن الأنظمة المتعاقبة على حكم البلد تعاملت مع بعضها تعاملا شبيها بتعامل أهل النار يوم القيامة (كلما دخلت أمة لعنت أختها) ربما لا تذكرون -سيادة الرئيس- لكنني أذكر؛ مع أن هذا ليس هو المهم بالضبط..!

سيدي الرئيس؛ استدلالك بالآية الكريمة (وهو استدلال في محله) كان دائما -وفي نفس السياق- يذكرني بآية كريمة أخرى.. آية تستنطق -ربما- علاقة النخبة عندنا بالرئيس؛ إنها تشبه -في غالبيتها- علاقة الشيطان بمريديه؛ حيث يوسوس لهم ويغويهم، ويزين لهم سوء أعمالهم.. وحين يغرقون يتنكر لهم؛ بل ويتشفى فيهم (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم، وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم...)..!

سيدي الرئيس؛ اخترتُ أن أكتب إليكم باكرا، والرحلة لا تزال في بداياتها... لأني أريدكم أن تتيحوا لي فرصة النشوة دائما؛ بل والفخر؛ بِرِهاني عليكم؛ حتى بعد أن تُسلموا السلطة لغيركم... لا أرجو أن أكون بين خيار "التنكر لكم" أو الوصف ب"يتيم العشرية"... وهما الخياران الوحيدان -حتى الآن- في تجاربنا للعلاقة بين الرئيس وداعميه..!

سيدي الرئيس؛ إن اللحظة بكل أبعادها مواتية كثيرا للتدبر والتفكر في معاني الحياة.. إنها اللحظة الأنسب لاستخلاص العبر... فهذا شهر رمضان، وما يحمله معه للمؤمنين من دواع وبواعث للتأمل في تفاهة الحياة الدنيا، وقصر المقام بها.. وهذه كورونا وما حملته معها من دلائل على هشاشة الحياة، وهشاشة البشر؛ حتى وإن توهّموا القوة.. وتلك "لجنة التحقيق البرلمانية" تدعو "الرئيس المؤسس" للتحقيق معه، وما يحمله ذلك من دلالة على قدرة الله على تصريف قلوب خلقه...!

سيدي الرئيس؛ ثمة أسئلة طُرحت أكثر من مرة؛ وآن لها أن تجد إجابات جادة وصادقة، وأنتم اليوم وحدكم المسؤولون عن الإجابة عليها؛ حسب أرقام وزارة اقتصادنا فإننا نملك احتياطا معدنيا  يصل إلى: الحديد ١.٥ مليار طن، الذهب ٢٥ مليون أونصة، النحاس ٢٨ مليون طن، الفوسفات ١٤٠ مليون طن، الكوارتز ١١ مليون طن، الملح ٢٤٠ مليون طن. وفي مجال الزراعة نصف مساحتنا (أي أكثر من نصف مليون كيلومتر مربع) صالح للزراعة، ومن ضمنه ١٣٥ ألف هكتار توجد على ضفة النهر، ولدينا شاطئ بطول ٧٢٠ كيلومترا يمكن أن يُصطاد منه سنويا ١.٨ مليون طن؛ دون الإخلال بالتوازنات البيولوجية للمخزون، ونملك ثروة حيوانية تساوي ١.٤ مليون رأس من الإبل، و١.٨ مليون رأس من البقر، و١٩.٣ مليون رأس من الأغنام. إضافة إلى احتياطي من الغاز الطبيعي يتجاز الخمسين تريليون قدم مكعب... كيف لثروة بهذا الحجم أن لا تسد حاجيات شعب لا يتجاوز الأربعة ملايين.. بل أكثر من ذلك؛ كيف لشعب يملك كل هذه الثروة أن يظل نصفه يقبع في مستنقع الفقر؟! كيف لنا أن تمتد طوابيرنا بالآلاف للحصول على حبات من الأرز..؟! كيف لمن يملكون كل هذه الثروات أن تلد نساؤهم -وتتساقط أسنانهن- في التدافع على سمكة؟!

سيدي الرئيس؛ أدرك أنكم لا تتحملون وزر غيركم، ولستم مسؤولين عن تصرفاته؛ لكنكم حين تستنسخونها تكونون -بكل تأكيد- مسؤولين عنها؛ لأنني لا أعتقد أنكم -حين إعادتها- تتوقعون نتائج مغايرة... إن أزمتنا تكمن في علاقة المسؤول بالمال؛ من هنا؛ فإنه ينبغي الفصل بين الوظيفة والتجارة، فالوظيفة ليست بابا للثراء، والمهتمين بالمال ليسوا مؤتمنين على تسيير المال العمومي..!

سيدي الرئيس؛ صحيح أن مأموريتكم لا تزال في باكورتها؛ لكن وقتها -مع ذلك- أقل من الذي تستنفدونه في تجربة أي شخص يُطعن في كفاءته أو أهليته أو أمانته.. أو أي مشروع ممجوج متجاوز؛ لم يكن غير أداة للتربح المالي والاستهلاك الإعلامي.. إنكم تملكون الشرعية (القانونية والأخلاقية) اللازمة لاتخاذ أي إجراء حتى ولو كان مؤلما للبعض أو غير موات لطموحاته وعاداته...!

سيدي الرئيس؛ إن برنامجكم الطموح ومشاريعكم الهادفة ليسا كافيين لتغيير واقع هذا البلد؛ لأنهما -ببساطة- لن يؤتيا أكلهما حين يمران من بوابة المشاريع والبرامج السابقة... ستكون النتائج إهدارا مهولا للوسائل والوقت وللطاقات.. وفي النهاية سيقول القائمون عليها (وصدقوا) إنهم ليسوا مسؤولين عن الأمر، وأنهم لم يكونوا أكثر من منفذي أوامر.. صدقوا؛ لأنك أنت المسؤول أمام الله، ثم أمام هذا الشعب، عن إدارة شأنه، وتسيير ثرواته...!

سيدي الرئيس؛ هذا ليس خطاب معارض ولا مناوئ.. هذه خلاصات الواقع صاغها داعم مخلص لبرنامجكم، ومشفق على هذا الوطن المسكين... وقبل الختام؛ أرفع إليكم التهنئة بمناسبة شهر رمضان الكريم، وأتمنى لكم موفور الصحة والهناء... ولأنني واثق جدا -سيادة الرئيس- في امتلاككم حظا وفيرا من "فلسفة المعنى" فإنني أسأل ما الذي تريدونه -شخصيا- بعد كل ما وصلتم إليه..؟!

 

24. أبريل 2020 - 18:13

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا