للإصلاح كلمة من وحي القرآن للتذكير في أيام رمضان / محمدَ بن البار

كلمة الإصلاح تود أن تلفت نظر السادة القراء والكتاب والمدونين أننا كنا طوال السنة ننشر خبر الإنسان وما يطرأ عليه وما يهتم به - ولكن من جانب واحد - وهو حياته الدنيوية مع أن هذا الإنسان نفسه يعرف ونحن نعرف أن له حياة أخرى لا يقاس زمنها بهذه الحياة الدنيوية لأن حياته الدنيوية محدودة والأخرى إلي ما لا نهاية : زيادة علي أن حياته الحالية عنده فيها حرية التصرف في تغييرها من حال إلي حال ،أما الأخرى فهي ثابتة في حال واحد يقول عنه المولي عز وجل : (( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون أما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوي نزلا بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها )) .

وبناء علي هذه الحقيقة فإن علي جميع كتاب المواقع – الفيسبوك – اتويتر أن لا يدفنوا أقلامهم في أرض الدنيا صم بكم عمي عن الحياة المصيرية لهذا الإنسان ، فلا يتكلمون عنها إلا إذا رحل الإنسان فيكتبون اثره مخاطبين له بقوله تعالي : (( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية )) ، فماذا كانت تعمل هذه النفس حتى بلغت هذه المنزلة التي تخاطب بها مع رجائنا من الله لها ذلك ؟ .

وهم في نفس الوقت يدركون أن هذه الآية هي آية واحدة من آلاف الآيات التي أنزلها الله في شأن هذا الإنسان موضحا له فيها كيف تكون نفسه راضية مرضية ، فحالة الإنسان كلها موضحة له في هذا القرآن : أولا كيف بدأ وبعد ذلك كيف تناسل ، وما هي مدته في هذه الدنيا ، وما المطلوب منه فيها ، وأين يذهب بعد تلك المدة المحددة ؟ وفي هذه النقطة بالذات أوضح المولي عز وجل ان الإنسان سوف يسكن سكني دائمة : إما في نعيم موصوف في القرآن لا يشبه أحسن نعيم في الدنيا ، وإما أن يكون السكني في عذاب موصوف هو الاخر في القرآن لا يشبه أي عذاب في الدنيا ، وهذا القرآن الموضح المبين لكل هذه الحقائق ها هو الموجود بين أيدينا والميسر قراءته لكل واحد منا ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) .

فهذا الإنسان الموريتاني وجد هذا القرآن أمامه محفوظا ليقرأ فيه كيف بدأت حياته وما هو مصيره ؟ ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليذكر أولوا الألباب ).

فعلينا إذا بمناسبة هذا الشهر الذي أنزل فيه هذا القرآن وفيه حقيقة جميع حياتنا الدنيوية والأخروية مفصلة تفصيلا لا سؤال بعده للإنسان عن نفسه كيف يحيا ؟ وكيف يموت ؟ ما هو مصيره ؟ يقول تعالي : (( وكل شيء فصلناه تفصيلا وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا )).

فنحن الموريتانيين ولله الحمد جميعا مسلمين فكثير من الآيات القرآنية موجهة الآن لغيرنا وهي التي تعني من ينكر البعث ولا يؤمن إلا بهذه الحياة الدنيا ، مع أنه يأتيها من غير إرادة منه ويذهب عنها كذلك ، ومع ذلك يقول عنهم المولي عز وجل : (( إن الذين كفروا سواء عليهم آنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله علي قلوبهم وعلي سمهم وعلي أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم )).

أما نحن فيعنينا القرآن كله يشهد علينا ونحن نشهد به علي غيرنا ، وبما أننا ولله الحمد جعلنا الله ممن يتكلم العربية سليقة ونفهم معاني كلمات القرآن كما أنزلها الله فنحن المعنيون أولا بقوله تعالي : (( وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون )) ، فمن أعطاه الله فهما يتأمل به كلام الله كما يريده الله فهو معني بقوله تعالي : (( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم )) وقوله تعالي : (( ويري الذين أوتوا العلم الذي انزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلي صراط العزيز الحميد )).

إذا فعلينا أن نضع القرآن أمام قلوبنا في هذا الشهر المبارك فكل موسم يبحث فيه عن ثمرته اليانعة فيه ، وثمرة القرآن يانعة في كل زمان ومكان ولكن الله يقول أن ثمرة القرآن أول زمن أينعت فيه هو شهر رمضان فإنزاله فيه مقصود في القرآن ، وقد بين المولي عز وجل جزءا من تلك الثمرة ساعة ينعها فقال تعالي : (( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان )).

فنحن الموريتانين نعترف بأن القرآن هاهو الذي يتلي علينا آناء الليل وأطراف النهار ، وآياته أصبحت تدخل علينا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ، ولكن هل تعودنا أن نستمع للآية ماذا تقول ؟ وكيف يكون جرس معناها مارا بالسماع إلي القلب ؟ فمثلا عندما يقول المولي عز وجل : (( إنما يستجيب الذين يسمعون والموتي يبعثهم الله )) فكم نشاهد من هذه الأموات وهم أحياء ، والمولي عز وجل يقول لهم (( ثم إليه ترجعون )) ، فكان علي الموريتاني الناطق بالعربية إذا كان ماشيا أن يتداعي للسقوط بقوة معني هذه الآيات لو كان سماعه بقلبه ، فالله يؤكد ب: "إنما " بأن من يسمع حقا سوف يجيب وإلا فهو يمشي ولكنه يمشي ميتا ، وهذا الميت سوف يبعثه الله ، وهناك معني لما بعد هذا البعث مفهوم لم يذكره الله هنا ، ولكن ذكره في مواضع أخري من القرآن يقول تعالي : (( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا )) ، فنحن الموريتانيين لم نقرأ القرآن كما يريد الله من المؤمن أن يقرأه ولم نستمع إليه كذلك ، أما العمل به فدونه شيطان مريد بين الله للإنسان حقيقة هذا الشيطان وحقيقة ما هو عازم علي فعله بهذا الإنسان كل الإنسان يقول تعالي : ((وإن يدعون إلا شيطانا مريدا لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم )) إلي آخر الآيات .

وبعد هذه المقدمة سوف نعود بإذن الله في الحلقات القادمة المستوحاة من وحي القرآن للتذكير في أيام رمضان للسياحة داخل القرآن وداخل الوحي الآخر الذي أوحاه الله مباشرة إلي النبي صلي الله عليه وسلم ليبين لهذا الإنسان هذا القرآن كما قال تعالي : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) ، وسوف يكون المدخل – بإذن الله -  في أول الحلقات القادمة حديث جبريل عليه السلام فمعناه وحده يكفي في معرفة هذا الدين الملخص في هذا الحديث بمعني أنه يكفي في معرفة حقيقة الإيمان والإسلام والإحسان لأن فيها معني جميع هذا الدين فالله يقول : (( أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلي عليهم )) ويقول تعالي : (( قل كفي بالله بيني وبينكم شهيدا )) .

يتواصل في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالي

 

25. أبريل 2020 - 19:05

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا