حول تشكل الرأي العام وانضباطه / المختار ولد كاكيه

يتشكل الرأي العام في البلاد من خلال مواقف مختلف أصحاب الرأي المهتمين بتطورات قضايا الشأن العام.

وبالاستقراء فإن أصحاب الرأي لدينا هم العلماء والسياسيون والإعلاميون والخبراء والفنيون ومن على شاكلتهم من المتخصصين، ويتدرجون بعد ذلك في عمق إسهاماتهم العلمية والفكرية والعملية حتى نصل إلى المواطن العادي ذي الضمير الحي الذي يريد المشاركة في صناعة حاضر بلاده ومستقبلها.

ووسائل أصحاب الرأي لدينا للتعبير، ونحن مجتمع تطبعه قيمتان هما تقدير العلم وإيثار العافية، هي وسائل التغيير  باللسان. ويبدأ حق التعبير المشروع لدينا بمستوى النقاش المحصور بين إثنين، مرورا بالتدوين في وسائل التواصل الاجتماعي وبالظهور في وسائل الإعلام المفتوحة، وانتهاء بالتظاهر العلني المقبول (رسميا بترخيصه أو ضمنيا لوجاهته كأصحاب المظالم).

ولعله من المهم لتوصيف التباين بين أصحاب الرأي في البلاد بشأن مختلف قضايا الرأي العام المطروحة تبني تصنيف مدرسي من مستويين رئيسيين:

- فهناك أصحاب الرأي من المتخصصين في واحد أو أكثر من المجالات التي تتعلق بها كبرى قضايا الشأن العام من سياسة وإدارة وشريعة وقانون واقتصاد، واجتماع .... وغيرها، ولنسمهم "قادة الرأي".

- ثم هناك باقي أصحاب الرأي، من المهتمين إجمالا بالشأن العام ومستجداته، الحريصين على الإسهام في تقييمه وترشيده في ضوء تجاربهم الشخصية وما يستلهمونه من التجارب الأخرى المحلية والعالمية، ولنسمهم "المتابعين".

ثم يبدو من المهم بعد ذلك بيان طبيعة المواقف التي يتبناها كل من قادة الرأي والمتابعين.

فأما قادة الرأي فإن مستوى العلم والمسؤولية لديهم يحملهم على أن تظل مواقفهم بشأن قضية ما محصورة في نطاق التغيير باللسان، فيبادرون بالنصيحة حولها أو الإنكار لما يحسبونها تشتمل عليه من منكرات. ولا يكاد يوجد بينهم من يلجؤه الاختلاف في الرأي إلى عدم الانضباط المدني أو الدعوة لعدم الالتزام بالقرارات الرسمية، لعلمهم بأنه لا إنكار في مسائل الخلاف وبأن المصلحة الراجحة تكمن في ترك التغيير باليد كاختصاص للسلطة المسلمة القائمة.

وأما المتابعون فإنهم عادة ما يتخذون مواقف قادة الرأي مرجعية لهم، ويتحلقون حولها، وهم على هدى ما بقوا على ذلك، فأولئك هم أهل الذكر بالنسبة لهم.

وبذلك يكون لمواقف المتابعين في الواقع العملي دور إيجابي وأثر معتبر؛ لأنها تسهم في ترجيح رأي على رأي، ومصلحة على مصلحة.

والقاعدة العريضة من المتابعين تظل ممارستهم لحرية الرأي في الحدود المكفولة قانونا ومتسمة بالانضباط اللازم شرعا وعقلا؛ لما ذكرناه من كون مجتمعنا إجمالا يؤثر العافية.

إلا أنها بالفعل توجد قلة من المتابعين ممن تكون الشحنة العاطفية في مواقفهم طاغية وتفكيرهم حديا، فيُرى من بين هؤلاء من يحرض مثلا على عدم التزام العموم بالقرارات الرسمية، مستسهلا وصف القرار الرسمي بالمنكر، ومستمرئا اتهام قادة الرأي بالتقاعس عن تغيير ما يراه منكرا واجب التغيير. بل، في تجل أكثر حدية للخروج عن النسق العام، قد يرى من يعتبر أن له حقا في التغيير باليد بأوسع مفاهيمه، ولذلك لا نعجب أن بداية كثيرين ممن سلكوا مسلك الخروج على المجتمعات المسلمة كانت بمثل هذه الحالات الذهنية الحدية.

لكن تظل مثل هذه المواقف الحدية لدينا هي الاستثناء الذي يؤكد القاعدة. والحمد لله.

26. أبريل 2020 - 13:55

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا