صفحة تأميم النفط في ذكرى ميلاد صدام / باباه ولد التراد

كان استعمال البترول على أساس تجاري قد بدأ في الولايات المتحدة الآمركيه منتصف القرن التاسع عشر، وخلال تلك الفترة أسفر البحث عن وجود ثلاثة مراكز ريئسية  لإنتاجه هي:القوقاز,واندنوسيا ،إضافة إلى آمريكا الشمالية ،وقبل ان تنطوى صفحة ذلك القرن كانت الشواهد فى الشرق الأوسط وبالذات على شطآن الخليج مشجعة. وكانت ابريطانيا قد أعدت نفسها فى هذه المنطقة وأمسكت فى حزم بمقاليد الحكم هناك ،فقد اكتشفت فى وقت مبكرأهمية البترول فى العصر الصناعي الجديد، وهو ما يفسر إصرارها على ان يكون لها بترولها الخاص الذى تملكه تماما بدون شريك . وقد ازدادت أهمية هذه المادة بالنسبة لابرطانيا عندما تحول اسطولها من إستعمال الفحم الحجرى إلى إستعمال البترول سنة 1912 وكان "ونستون تشرشل" وهو وزيرالحربية وقتها الذى أشرف على هذا التحول الخطير قد وجه خطابا قصيرا إلى قائد الأسطول لإبريطانى "اللورد فيشر" جاء فيه ( عزيزي فيشر ماهو مطلوب من الأسطول الأن وفى المدى المنظور هو ضمان وصول البترول إلى إبرطانيا العظمى : رخيص فى حالة السلام- مؤكد فى حالة الحرب).

ومن المفارقات أن تشرشل كان هو بالضبط وزير المستعمرات فيما بعد الذى أوكلت إليه مهمة رسم الخرايط الجديدة فى المنطقة بما فيها خرائط الإستقلال والتقسيم والإنتداب و الحماية ، وكانت خريطة البترول واحتمالاته مصدر الوحي فيما ذهب إليه ، بحيث تكون الثروة النفطية الضخمة التى هى ملك الأمة تذهب إلى نسبة ضئيلة من المنتفعين  فى منطقة الخليج .

غير أن بريطانيا لم تكن هى الدولة الغربية الوحيد التى بذلت جهودا مضنية من أجل الحصول على النفط والسيطرة على منابعه ، فقد كسر "هتلير"معاهدة الصداقة وعدم الإعتداء بينه وبين "استالين" لأنه كان يريد بترول القوقاز، وقبل ذلك كان قد دخل رومانيا جريا وراء بترولها.

كما خسر المارشال "روميل" كل إفريقيا بسبب حصار البترول الذى ضرب عليه اثناء معركة "العلمين" التى استمات الحلفاء أثناءها فى الدفاع عن مصر وعن قناة السويس بالذات لأنه من ورائها يصبح الخليج مفتوحا على مصراعيه بكل موارده البترولية أمام ألمانيا .

كما قامت اليابان بمهاجمة الولايات المتحدة فى "بيرل هابر" بسبب حاجتها الشديدة إلى بترول اندنوسيا. ونظرا إلى الدور المتزايد الذى أصبح يلعبه البترول فى منطقة الخليج فقد مارست آمريكا ضغوطا شديد على ابريطانيا فى مؤتمر "سان ريمو" سنة 1920 من أجل المشاركة فى بترول العراق الذى جرى وضعه تحت الإنتداب الإبريطاني ، إلى كون آمريكا قد انتزعت نصف  بترول الكويت من ابريطانيا عند ماوقع المليونير"الشهير"ويليام مللون"عقدامع أحمد الجابرالصباح الذى كان غاضبا علي شركات ابريطانية لأنها عثرت على البترول في البحرين قبل العثور عليه في الكويت.

وفى الجانب السعودي استطاعت أمريكا أن توجه صفعة قوية لابريطانيا في إطارالصراع على البترول ،عندما استطاع "روزفلت "أن يعقد اتفاقا مع الملك عبدالعزيزتحصل الولايات المتحدة الآمريكية بموجبه على بترول السعودية رغم المحاولات التي بذلها تشرشل الذي توجه إلى مصر لعله يعرقل الإتفاق لكنه لم يسمع من الملك اى إجابة نافعة.

وفي هذه الفترة كانت بعض الدول الأروبية الكبرى تحاول الإفلات من القبضة الآمريكية في مجال سيطرتها علي بترول الشرق الأوسط ، أما ابريطانيا فقد اكتفت في النهاية بدورالشريك الصغير وراء العملاق الامريكي الكبير،الذى أصبح يهيمن على المنتجين والمستهلكين في نفس الوقت ، مما نتج عنه إنشاء منظمة تنسق جهود الدول المصدرة للبترول ، حيث تم إنشاء مؤسسة "أوبك" في بغداد يوم 09/09/1960 ، إلا أن هذه المؤسسة لم تستطع أن تؤكد نفسها بسبب السيطرة الآمريكية على المنطقة.

غيرأن هذا الصراع المحموم على بترول الشرق الأوسط ، قد أدى إلى أن شركات البترول أصبحت عمالقة بترول وسياسة في نفس الوقت ، وكأنها دول كبرى ، تسقط الحكومات الوطنية مثل ما حدث بالضبط مع حكومة "مصدق" الإيرانية ، وتحقق لنفسها الأرباح الخيالية حيث كان دخل "أرمكو" من البترول يزيد ثلاث مرات على دخل السعودية ،كما أن ميزانية شركة البترول الإيرنية الأبريطانية لسنة 1950 أظهرت أن الشركة حققت أرباحا مقدارها 250 مليون اجنيه استرليني بينما كان النصيب الذي حصلت عليه الحكومة الإيرانية 90 مليون اجنيه فقط .

إلا أنه ابتداء من سنة 1968 رفع العراق بقيادة صدام حسين ورفاقه في حزب البعث شعار(نفط العرب للعرب ) وأردفه بشعار آخر نابعا منه هو:(استخدام النفط كسلاح ) الذي تقدم به في اجتماع مجلس الدفاع العربي المشترك في 27/01/1973 وهي الفترة التي كان العراق يخوض فيها معركة التأميم الذي شمل حصة آمريكا في شركة نفط البصرة ، ومعلوم أن العراق يملك أكبر مخزون احتياطي للنفط بعد السعودية ، وهو ما يعادل 12% من الإحتياطي العالمي .

غير أن نزعة القيادة العراقية الجامحة للوحدة والحرية والأشتراكية، مع وجود الثروة النفطية الهائلة في المنطقة ، كل ذلك سيجعل الولايات المتحدة على استعداد دائم للحرب ضد العراق من أجل القضاء على القائد صدام حسين ،خصوصا أنها تعودت على  نهب البترول من دول "الأوبك" والتحكم فى إسعاره حتى وصل فى بعض السنوات إلى أقل من 10دولارات للبرميل الواحد مع ان كل نقص في سعر برميل البترول بمقدار دولار واحد يعني خسارة لدول الأوبك تقدر بحوالي 8مليارات دولار في السنة .

وقد اعترف بعض القادة ألآمريكيون بأن أحد دواعهم الحقيقية وراء عدوانهم على العراق سنة 1991 هو استمرار السيطرة على منابع النفط والمحافظة على تدني أسعاره ، ففى المقابلة التى أجراها مع الملك حسين بعد أقل من أسبوعين من دخول العراق للكويت قال بوش : (أسمعني ياحسين إن البترول بالنسبة لنا أكثر من ضرورة ، هو أسلوب حياة ، وأنا لن أسمح لنفسي أن أترك ديكتاتورا يضع يده على شريان حياتنا وأنتم العرب تعيشون على برميل بارود ولكن لنا في المنطقة مصالح حيوية ونحن هناك لحمايتها).

ولكن بوش لم يكن هو المسؤول الامريكي الأول الذي اعتبر أن العراق يشكل خطرا على تموين البترول ، ففي شهرابريل 1990 كان "اشوارسكوف" يدلي بشهادته في مجلس الشيوخ ويقول:(إن الخطر الأكثر جدية على تموين بترولنا يكمن في العراق).

غير أن أهم تصريح في هذا الشأن هو ماقاله الرئيس الآمريكي الأسبق "نيكسون" الذي جاء فيه (إنه من الرياء الإيحاء بأننا نأمل إقامة الديقراطية في الكويت ، إن النفط هوسبب مجيئنا إلى الخليج ، وليس علينا أبدا الأعتذار).

وفي هذا الصدد يقول "هنرى كسنجر" الذي كان مستشارا لأسرة "روكفيلر" التي تملك شركة "موبيل" قبل أن يصبح وزيرا للخارجية (إن أحد أهم أسباب استخدام القوة هو ظهور نزاع حول الأسعار، أما السبب الآخر فيكمن في حصول عملية خنق فعلي للعالم الصناعي).

ومن هنا يتبين من خلال هذا الكم الهائل من التصريحات لكبار المسؤولين وصناع القرار في الإدارات الآمريكية ، أن النفط سيبقى سببا حقيقيا ومباشرا في الحرب ضد أي قطر عربي يسعى للتحرر والنهوض .

 

 

28. أبريل 2020 - 1:59

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا