في سلوك البشر الاعتراف بالعجز صعب والإعلان عنه آخر مراحل الاستجداء لذالك فالمجاهرة بالعوز والفقر وان انتشرت فإنها مخجلة لأصحابها مؤسفة لكل من يرتبط بهم ولعل سر افضلية صدقة السر تكمن في احترام النفس الابية وحث البشر على التمسك بالقوة كصفة ترفض الضعف والهوان بين البشر انفسهم ومن خلال سير عيشهم في اللحظات الحرجة من حياتهم وقد اكدت طرق تعاملنا فيما بيننا ان الاعتراف بالنقص والضعف له تداعياته حتى في الحصص المفروضة على سبيل البقاء ضمن حاضنة البشر انفسهم لذالك فصدقة السر اكثر انسجاما مع متطلبات الاخوة والإيثار فهي اذا من اخلص الصدقات وأفضلها والدليل قول لعزيز جل في علاه : إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيرٌ لَّكُمْ) سورة البقرة 271 حتى ان كان في اظهارها ترقب الاقتداء بها وتشجيع ممارستها إلا ان المتصدق سرا قد تحدث عنه المصفى صلوات ربي وسلامه عليه في حديث السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله "ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ". فأين نحن اليوم من سريتها وأفضليتها ؟
حينما نتنازل عن جزء بسيط من مما اكتسبنا للآخر نعطي الصورة الناصعة عنا كبشر مهما كانت الدوافع لكن حينما نتعمد نحن امة الاسلام التشهير بتنازلاتنا لأخ العقيدة والوطن ونفرض التصوير والترويج عبر الفيديو وعبر الصور والاسكتشات نكون اقرب الى الرياء منا الى الامتثال المقصود به وجه الله جل وعلى، وأراء العلماء في هذ الصدد كثيرة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصّدقة، والمسرُّ بالقرآن كالمسرِّ بالصدقة والأصل أنّ الإسرار أفضل .و منها ما ذكره ابن كثير في كتاب تفسير القرآن ألعظيم إنّ صدقة السر أفضل من إظهارها لأنّها أبعد عن ألرياء إلّا إذا ترتّب على إظهارها مصلحة راجحة مثل اقتداء النّاس بالمتصدق فيكون أفضل من هذه الحيثيّة،.اما القرطبيّ رحمه الله فقد قال : أمّا المُتصدَّقُ عليه فإنّ صدقة السر له أسلم من احتقار النّاس له، أو اعتقادهم أنّه أخذها وهو مستغنٍ عنها وأنّه ترك التّعفّف ، ويتضح لنا ان صدقة السر افضل خاصة اذا ما اخذنا بعين الاعتبار اوضاع المسلمين في زماننا هذ وتأثير الحياة ومغرياتها وغرائزها على الاغلب الاعم من المسلمين ،وطلبا لمعالي الامور وتشجيعا للتعفف يكون التصدق سرا افضل والله اعلم
. ان الطفرة الناجمة عن تكدس الثروة في ايدي الاقلية وتزايد حاجة الاكثرية يستوجب من حكماء الامة التدخل لتبيان افضل طرق التكافل وأكثرها انسجاما مع احترام النفس البشرية وتأكيد تكريمها وتوضيح ترابطها بين الاغنياء والفقراء لأن ما نشهده اليوم من تبجح ومن يكاد يزيد اوار الحقد اشتعالا ويرسخ التفاوت تعمدا ويفرغ جوهر الاخوة من اهم معانيه السامية فلنطفئ الغضب واخطر الغضب غضب الرب وقد قال المصفى عليه الصلاة والسلام ان صدقة السر تطفئه.