للإصلاح كلمة من وحي القرآن للتذكير في أيام رمضان (2) / محمدَ بن البار

كلمة الإصلاح في حلقتها الأولي وصلت إلي حديث جبريل الصحيح المعروف لدي المسلمين وملخصه أن جبريل أتي النبي صلي الله عليه وسلم وهو وسط صحابته وبدأ يسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان فأجابه النبي صلي الله عليه وسلم بما معناه أن الإيمان في القلب وهو أن يؤمن المسلم بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره وأن الإسلام هو عمل الجوارح أولا النطق بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ، وأن الإحسان هو أن تعتقد وأنت تعمل كل هذ أن الله يري فيك صدق النية في كل ذلك .

وكان جبريل كلما أجابه النبي صلي الله عليه وسلم علي سؤال يقول له صدقت وبعد انتهاء جبريل من الأسئلة ومغادرته المجلس التفت النبي صلي الله عليه وسلم علي الصحابة ليخبرهم بأن السائل هو جبريل عليه السلام وأنه جاء ليعلم للصحابة دينهم وليكون هذا التعليم تعليما للأمة كلها .

وكلمة النبي صلي الله عليه وسلم في قوله ليعلمكم دينكم أتي بها علي وجه الحصر للدين لأن دين نكرة وبإضافتها إلي الأمة معناها حصر الدين في هذه المسائل الثلاثة.

وهذا الحديث بانضمامه إلي قوله تعالي : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم لكم الإسلام دينا )) يجعل نفس عبارة القرآن متفقة في الحصر مع عبارة الحديث فكلمة أكملت لكم دينكم فدين أيضا نكرة مضافة إلي المخاطبين وهم المسلمون ، ليقتنع كل مسلم أن لا دين خارج هذين الأصلين ، فأي فكر أو أي دين خارج ما يفهم من القرآن فهما واضحا لا يقبل التأويل أو ما صح عن النبي صلي الله عليه وسلم صحة تتفق عليها الأمة فهو خارج عن الدين ولو جعل عليه أي عنوان آخر .

ونظرا إلي أن هذين المصدرين هما المرجوع إليهما في تحديد الدين فسوف نبدأ بخصائصهما :

أولا خصائص القرآن : فالقرآن كما حدده حديث عائشة رضي الله عنها بأنه المنزل علي محمد للإعجاز وللتعبد بتلاوته وبأنه الموجود بين دفتي المصحف مبدوءا بالفاتحة ومختوما بسورة الناس فهو يشتمل علي الخصائص التالية :

أولا : ليس بين المسلم وبين أن يكون يستمع إلي كلام الله مباشرة إلا واسطتين جبريل عليه السلام الذي نزل بالقرآن ، والنبي صلي الله عليه وسلم الذي بلغه ، فكأنك أنت أيها الإنسان تستمع إلي الله مباشرة ، فمثلا عندما يخاطبك الله بقوله : (( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك )) ، هذا يعني أن الله خاطبك مباشرة لا يحول بينك وبين هذه المباشرة إلا هاتين الواسطتين ، وهذا عام في جميع خطاب الله لهذا الإنسان ، فإذا قال يا أيها الناس فمعناه خطاب دعوة عامة للإنسان ، وإذا قال يا أيها الذين ءامنوا فمعناه خطاب توجيه خاص ، فعلي المسلم أن يلقي لها سمعه لأن ما بعد الخطاب إما خيرا ترشد إليه أو شرا تحذر منه كما قال ابن عباس .

ثانيا : من خصائص القرآن أن موضوعه كله هو الإنسان ، فهو غير موجه للملائكة ولا للبهائم ولا للجمادات فهو موجه لمن حمل الأمانة التي امتنعت السماء والارض والجبال من حملها وحملها الإنسان ، أما خطابه للجان فهو محدود في مواقع حصرية في القرآن .

ثالثا : من خصائص القرآن أنه موجه لجميع الإنسان كل الإنسان ، فكل جسم إنسان أرسل إليه ملك لينفخ فيه الروح ، وقبل أن يرسل إليه لينزعها منه ، فالقرآن موجه إليه .

رابعا : القرآن أخبر في نصه المقروء بخلق الله للإنسان : كيف خلقه الله أولا من طين وكيف تناسل بعد ذلك ، وكيف يموت عند انتهاء الأجل المحدد ، وهذا كله موحد في الخلق والشكل في جميع الإنسان ، هذا ما جعلنا المولي عز وجل نشاهده في الدنيا ، وأتبعه مباشرة بما سيفعله بنا في الآخرة ، لنستدل بما نشاهده بعد الخبر به بما سنشاهد بعد انتهاء الأجل ، يقول تعالي : (( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين )) إلي قوله تعالي : (( ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون )) ، بمعني أنك أيها الإنسان المخلوق في هذه الدنيا تتلخص جميع قضيتك فيما يلي :

أولا : أصلك مخلوق من طين ثم من نطفة أمشاج ثم بعد ذلك في رحم أمك يرسل إليك ملك بروح لا يعرف كنهها إلا الله ، إلا أنها هي التي تجعل جسدك يتحرك بعد ميلادك ، وتجعل جسدك ينمو في زمن محدد ، ليبدأ بعد ذلك تراجع ذلك النمو ، ليأتيك الملك بعد انتهاء أجلك المحدود ، ويعيد الروح التي أودعك في بطن أمك إلي المولي عز وجل الذي اعطاها له ليدخل الجسم في حياة لا يتحرك إلا بها ، فإذا نزعها يعود الجسم كباقي الجمادات لا حراك فيه ولا إحساس ، وهذا لا يختص به أي أحد عن أي أحد ، وفور خروج الروح من الجسد تعود إلي خالقها مباشرة كما خرجت من عنده لزرعها في النطفة يقول تعالي : (( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلي ربكم ترجعون)).

ويلاحظ هنا أن لا توجد أي آية تحيد عن توضيح هذا الاتصال مباشرة بعد الموت بالمولي عز وجل ، إلا أن الآيات تختلف في وصف حال قدوم الإنسان علي ربه بعد موته مباشرة ، ويلاحظ أيضا في القرآن أن أكثر ذكرا للملائكة في القرآن يكون في الساعات الأخيرة من حياة الإنسان مع وجودهم مع الإنسان دائما ، وتستمر تلك المرافقة للإنسان إما لتنفيذ تكريمه الذي أمروا به ، وإما لتنفيذ تعذيبه الذي أمروا به أيضا ، يقول تعالي : (( الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعلمون )) وفي الجانب الآخر (( الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلي إن عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فلبئس مثوي المتكبرين )) ، فالمصير مقسم علي اثنين فقط لجميع البشر ، وعند ساعة الموت وبعدها لا يمكن ولا يجوز أن يقول أو يدعي أي بشر أنه هناك حضور لأي كائن من كان غير وجود الله عندئذ أو الملائكة الموصوفين بقوله تعالي : (( أنهم عباد مكرمون )) (( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون )) ، فما يفعله المولي عز وجل في الإنسان مسطر كما هو في القرآن من بداية إرادة خلق الإنسان الأول وبعد ذلك تسلسل بوضوح خبر الإنسان كل الإنسان ، كما يشاهده الإنسان ، أما ما لا يراه الإنسان من معاملة الله للإنسان فقد ورد موضحا في القرآن ، فما شاهدناه بعلمنا وملاحظتنا وتجربتنا شاهدناه وقع كما جاء في القرآن ، وما لا يراه الإنسان فسيقع كما هو موضح في القرآن ، فالإنسان عندما قال من يحي العظام وهي رميم ؟ قيل له : (( يحييها الذي أنشأها أول مرة )) .

فالله تبارك وتعالي تحدي الإنسان في أن يتصرف في الإنسان في آخر لحظة له إذا استطاع ساعة موت الإنسان يقول تعالي : (( فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون )) إلي آخر الآيات ، فقوله تعالي وأنتم حينئذ تنظرون لا استثناء فيه ، فلو كان فيه استثناء لقام به الحاضرون للموت ، فعلي كل مسلم أن يراجع إيمانه ليكون مطابقا لما يقوله القرآن ، فالله يقول عن القرآن : (( فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون )) .

 

30. أبريل 2020 - 10:38

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا