ظلت صاحبة الجلالة طيلة أعيدها متدثرة بالحزن شاحبة الملامح وكأنها تعرضت للخيانة المتواصلة ، فجل الذين يقفون ببلاطها عشاق زائفون، ولم تعد تستطيع التمييز بين من هو مستعد لحمل قلبه على كفه من أجلها ، ومن يريد قضاء وطر ثم يتف على وجهها ..!
الصمت ليس سياسة ..
لأول مرة في تاريخ البلد السياسي يهنئ رئيس للجمهورية الصحافة الوطنية بعيدها الدولي وأكد في تغريدة بهذا الخصوص على حرصه الشديد على تكريس حرية الصحافة وتمهينها وتطويرها .. في اعتقادنا أن هذه العبارات شديدة المهنية تبشر بعهد جديد من التعاطي الايجابي الواعي بأهمية الصحافة كمهنة ورافعة من روافع الديمقراطية والتنمية الشاملة ، ويبدو أن العيد هذه السنة مختلفا وأكثر صدقا حين خاطب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني مكامن الوجع ووعد بشكل صريح بتصحيح الاختلالات بالتشاور بين القطاعات الوصية والفاعلين المهنيين .. لا تنتظر الصحافة الجادة أكثر من هذا الاهتمام الذي يضع الكرة في مرماها ويحثها على بذل مزيد من الجهد من أجل تكريس التمهين والمؤسسية ، و الضبط الذاتي، ورفع جودة المحتوى.
صحيح أن الصحافة الوطنية ظلت لعقود من الزمن بطنا رخوا حَملت وحُملت ما لا طاقة لها به فأفرزت منتوجا مشوها وناقص التكوين في الكثير من الحالات ، ورغم ذلك فإن لها وجها مشرقا ظل متمسكا بالمهنية ورفض الركوع أو الخضوع لسيل الفوضى الذي ضرب بأطنابه عبر فضاء يتسع يوما بعد يوم ، ولعل الطفرة الالكترونية التي تجتاح العالم دون هوادة عجلت بالصحافة الوطنية عن مراكمة المزيد من الخبرة والمؤسسية فأصبحنا أمام جيل متفلت من المهنية وغير ملم بالأخلاقيات والمبادئ الصحفية فانعكس ذلك بشكل لافت ومقلق على الإنتاج والمحتوى ، ويبدو أنه حصل لبس لدى هؤلاء "الجدد " فقدموا صورة سيئة ربما عن غير وعي أو إدراك ..!
في الواقع يحتاج مشهدنا الإعلامي إلى إعادة بناء شاملة تتيح لنا سد الثغرات وتقويم الاعوجاج ، ولاشك أن الإرادة السياسية حاصلة بشكل لا ريب فيه ، و تجسد ذلك من خلال التعاطي الحكومي والتفاعل المستمر والدائم مع الفاعلين المهنيين والهيئات والروابط الصحفية وقد أطلقت بهذا الصدد العديد من الورش التفكيرية من أجل تمهين التجربة الوطنية وسد الثغرات في النصوص التنظيمية ،وسعيا كذلك إلى بلورة خارطة إصلاح تستوعب الدور الهام الذي بات لزاما على الصحافة أن تلعبه سبيلا إلى تفعيل دورها في تكريس وتوطيد الديمقراطية والحكامة الرشيدة.
إن جدوائية و فاعلية أي إصلاح مرهونة بقوة الإرادة والتضحية لدى الصحافة الوطنية بكل أطيافها وأقطابها ، وبات حريا بها أن تتجاوز هذه الوضعية وتعمد بكل قوة وحماس إلى بناء صرح إعلامي مصقول من الأدران والشبهات ، ويليق بمكانة وسمو صاحبة الجلالة .