حتى لا ننخدع..!!/ أحمدو ولد محمدو

altالآن وبعد أن أوشكت النفوس على أن تهدأ إثر الخطوة النزقة تجاه بعض درر الفقه المالكي، تستدعى هذه الفاجعة في نظري بصفتنا نخبا سياسية تتمسك بالشرعية الدستورية المدعومة بشرعية الانجاز وتقدر المسؤولية الملقاة على عواتقها المتمثلة في قيادة المجتمع بمختلف أطيافه نحو بر الأمان في ظل العواصف والتحديات الحقيقي منها والمختلق.

اعتقد أن الوقت حان لنعيد التفكير بعقولنا بدل أن نترك العنان لعواطفنا في محاولة لفهم الرسائل التي حملتها هذه المحنة، متناسيين المكاسب السياسية التي تحققت لنا والتي في مقدمتها قطع الطريق على الحراك اللادستوري لبعض قوى المعارضة التي تتبنى شعار "أنا ومن بعدي الطوفان"، والتي اختارت أن تنفخ في القربة المثقوبة خلال مهرجاناتها الأخيرة ولا أستبعد أن تكرر ذلك مستقبلا في محاولة يائسة لتقليص الأضرار التي منيت بها ولو كلفها ذلك سحق حليف الأمس.

لقد كشفت هذه الحادثة عن أكثر من معطى، وعرت بعض السياسيين من ورقة التوت التي كان يتسترون وراءها عندما اختاروا الاستغلال اللاأخلاقي لهذا الوضع مما أكد أن القوى الفاسدة المفسدة التي تقف في الجانبين ما تزال تمسك بخيوط اللعبة مما يعنى أن طريق الإصلاح يظل شاقا ومليئا بالمطبات.

لقد كان التحدي الصارخ لمشاعر الموريتانيين على غير المعتاد ومن بعدهم مئات ملايين المسلمين وهو عمل يستحق الإدانة والعقاب طبقا للقانون، إلا أن الاستغلال غير البريء لهذا الحادثة لتصفية حسابات سياسية بين الأحزاب والأفراد والتفنن في الافتراء أحيانا، هو لعمري ممارسة عهدناها من الماضي البغيض وسلوكياته التي نريد لموريتانيا أن تتسامى عنها تكريسا لفكر سياسي سليم يضفي طابعا أخلاقيا على الممارسة السياسية نحن أحوج ما نكون إليه.

لا يمكن لغير "المجنون بالفطرة" أن يقر العمل المنافي للقيم الإسلامية والإنسانية الرافضة للمساس بالمقدسات الدينية مهما تكن أحرى أن تكون لمذهب إسلامي تطبعه الوسطية "اللاسياسية" ولكن أن نسلم أعناقنا لغوغاء يقودهم ساسة فاسدون على الجبهتين أمر لا يقل جنونا عن سابقه.

إن هذا التصرف المتمثل بالاعتداء على أمهات الكتب الفقهية ما كان له أن يدفعنا لإرتكاب حماقة موازية بالقفز على صلاحيات الجهات المعنية ، بعيدا عن ضغوط الرأي العام، كما لا يجوز أن يكون هذا التصرف المجافي للمنطق السليم على حساب القضية العادلة للأرقاء والأرقاء السابقين التي ما تزال بحاجة لأن يقف معها المتنورون، تاركين بذلك فسحة للتراجع عن المكتسبات التي تحققت خلال المرحلة القصيرة الماضية،وهذا ما لمسته من خلال أحاديث عابرة للبعض ، بحجة أن رجلا بدل أن يكون قراءً للكتب اختار أن يكون حراقا لها، متناسيا أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر ولا يقارع الرأي إلا بالرأي.

إن ما أرتكب يجب أن يكون دافعا للتقدم خطوات جديدة إلى الإمام في حل هذا المعضل الشائك والخروج من مهزلة نفي أو إثبات وجود هذه الظاهرة المشينة بين ظهرانينا،متعاملين بشكل صارم مع المتلبسين بممارسة الرق ـ وهم موجودون فعلا ـ مع تطوير ترسانتنا القانونية وتشديد العقوبات على من يثبت في حقهم ممارسة هذا الجرم، حاضنين ضحايا هذه الجرائم مقدمين كل المساعدة لهم، درءً لتصرف آخر قد لا يتم الإجماع على خطئه فيقع المحظور.

إن على علمائنا الأجلاء أن يتحملوا الأمانة مقدمين إجابة قطعية عن السؤال هل استعباد البشر في العصر الراهن حلال أم حرام؟ مجددين قراءة فقه أنتجه بحق جهابذة في ظل ظروف زمانية ومكانية معينة وقدموا به حلول تتناسب والوضعية الاجتماعية التي عاشوها وعاصروها كما تتناسب ومحيطهم القريب والبعيد.

وعلى صحافتنا أن تتحلى بالقدر الأدنى من الموضوعية في تناولها لهذا النوع من الحوادث مبتعدة عن التحريض وعن تبنى المواقف في غير سياقها وشحن الساحة بقاموس من خطاب الحركات المتطرفة شكل مرجعا للبيانات والتصريحات الإعلامية اللاحقة للحادثة.

اعتقد ان هذا الحادث المؤلم يجعلنا اليوم أكثر من أي وقت مضى حذرين حتى لا نخدع من طرف من أرادوا ركوب الموجة للتكفير عن خطاياهم الماضية تجاه هذا الشعب والتي أضافوا إليها الدعوة للخروج على الشرعية بحجج واهية من خلال ادعائهم الغيرة على الإسلام في بيانات هي في حقيقتها إعلانات مرتجلة لتسجيل مواقف سياسية أكثر مما هي إحساس بخطورة الوضع والرسائل التي يحملها، كما لا يمكن أن نقبل من أولائك الذين شرعوا أو شاركوا في ذبح ا أبناءنا على الثغور غيلة وبدم بارد، وطالما عبروا في أكثر من مرة وبأساليب مختلفة عن رفضهم لهذا الفقه، أي رأي بهذا الخصوص، وكان على الأجانب أن يلتفتوا هم أيضا لمشاكل بلدانهم الداخلية حتى لا نقول أكثر من هذا.

وأخيرا أطالب نشطاء حقوق الإنسان أن يبتعدوا عن تسييس القضايا العادلة التي يحملونها؛ منعا لتكرار هذه التجربة المريرة، وأدعوهم إلى الانحناء أمام العاصفة، وأن يقلبوا الصفحة، وأن يواصلوا نضالهم الشريف الهادف إلى تحرير آخر إنسان موريتاني من سلاسل الاستعباد سواء كان تقليديا أو فكريا أو اقتصاديا وأن يتمترسوا خلال هذه المرحلة من أجل المعركة المستقبلية الرافضة لكل ما من شأنه المساس بحقوق الإنسان في هذا البلد فهم أملنا الأخير بعد أن باع بعض الساسة في موريتانيا أنفسهم على موائد الإكراميات أو سيطرت على عقولهم شياطين الشغف بالوصول إلى السلطة في مختلف مستوياتها والذي أصبح غاية بدل أن يسعى إليه كوسيلة لتحقيق برامج ومشاريع تخدم البلاد والعباد.

30. مارس 2011 - 0:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا