حنين الذاكرة / د. سيدي محمد العربي

في 7 مايو1987الموافق 11أو12ارمضان  1407 وقبل ثلاث وثلاثين سنة غاب على حين غرة ودون سابق إنذار والدنا وشيخنا وشيخ مشايخنا العالم العابد الزاهد الفقيه الصحة ولد ديدي مؤسس المعلمة العلمية والثقافية بمدينة كرو (محظرة أهل ديدي ) عن عمر ناهز ثمانية وسبعين سنة بعد حياة مليئة بالعطاء المعرفي ناهزت  خمسين سنة من البذل في سبيل إحياء العلوم وتدريس وتكوين الاجيال جيلا بعد جيل حتى  ألحق الأحفاد بالأجداد، مارس القضاء وفصل بين الخصوم وأبرم الصلح ووثقه ، قسم المواريث- وألحق الفرائض بأهلها...

من خلال هذه  الورقة سنستذكر حياته لعلنا نستلهم من عبق تاريخه الذي
يفيض عزة وشهامة وبركة وعلما وكرما ... 
نستلهم منه الجد والاجتهاد وبه نشحذ همم الأهل والإخوة والمحبين، والذين  يريدون أن يسيروا على درب خطى العظماء الذين يصنعون التاريخ،  لا الذين يكونون  هوامش التواريخ (فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح).
فمن هو الصح ولد ديدي ؟
هو سيد جعفر الملقب الصح بن سيد محمد بن سيد جعفر آل سيد جعفر ولد مولاي عبد الله ولد مولاي الزين التلمساني، الجكني وطنا وانتماء ولد حوالي 1909م. بمنطقة ارڱيبة لعصابه لأبوين كريمين: سيد محمد ولد سيد جعفر وعايشه بنت سيد ولد محمد الشيخ (ولد احمد لسيدي )

بداية التوفيق  في الامر :
 تبدأ من المنبت: فقد منح الله لشيخنا ان كان بشارة أبوين صالحين عرف عنهما الاتباع والصلاح والفضل والعبادة والإنفاق ... بذلا جهودا مضاعفة في تربية الأولاد وتنشئتهم التنشئة الصالحة مما كان له عظيم الاثر في إخراج كوكبة من العلماء والحفظة والصالحين والمنفقين ...كان شيخنا واخوته الافذاذ دليلا صادقا على نجاح تلك الجهود.

بداية الرحلة العلمية:
 بدأت تلك الرحلة مع والده الذي أقرأه القرآن فأكمله وهو دون العاشرة من العمر ليلتحق بعد ذلك بشيخ المقرئين وإمام العارفين شيخنا الشيخ محمد المصطفى ولد سيد يحيى فأكمل عليه علوم القرآن وأجازه فيه بقراءة قارئ المدينة نافع بن رؤيم . وهو دون الخامسة عشر من العمر.
لينتقل بعد ذلك بين أعلام منطقته سعيا للتزود بالمعارف المختلفة، وقد بدأت رحلته الفقهية مع الفقيه والقاضي السالك ولد البشير 
والفقيه والعلامة المصطفى ولد اعلمبطالب  وهو من مسادير شيخنا الشيخ لمرابط ولد أحمد زيدان ثم الفقيه  الأصولي والقاضي أحمد لفرم ولد محمد فنهل من معارفهم واحدا  تلو الآخر .. وأثناء التجوال بين المحاظر  فطن من يشاركوه الأحواش والمحاظر إلى سعة استيعابه وقدرته الفائقة على التدريس والتوصيل من خلال مراجعة المقررات، فعلقوا به، وهي طريقة أشبه ما تكون في النظام الأكادمي المعاصر  بدرجة-المعيد-وهو الطالب الذي يجتاز مرحلة باكلريوس بدرجة عالية .
توفر له الجامعة مقعد مدرس بدرجة -مدرس مساعد -حتى قبل حصوله على الشهادة الجامعية النهائية .

بداية الاستقلال وإنشاء محظرته:
 لا يعرف لذلك تاريخ محدد إلا ان المتواتر عند الأهل ومن عاصروه أنه بدأ بالتدريس وعمره أربع وعشرون سنة وكان مما حدث به عنه أخوه وصنوه في العلم محمد ولد ديدي أنه قضى خمسين سنة في تدريس العلم   وبالتالي يكون المتصور أن المحظرة تأسست سنة 1935-أو1936فتكون والحمد لله في ربيعها  الرابع والثمانين أو الخامس والثمانين. 

العلوم المدرسة في  محظرته: 
القرآن وعلومه من رسم ومقرأ فشيخنا يتقن علوم القرآن إتقانا خاصا لكن لا يمنح الإجازة لطلبته ولعله زهد وورع يقال إنها تدخل الرياء على المتحصلين عليها.
 اشتهر رحمه الله بالفقه وأصوله وقواعده فكان يدرس : 
ـ مختصر خليل مع الحفظ التام لشرح لمرابط ولد أحمد زيدان على المختصر ( النصيحة ) 
ـ  المراقي 
ـ المنهج للزقاق والتكملة لمياره 
ـ متون العقيدة وخصوصا تلك التي تنطلق من كتب الأشاعرة كالإضاءة ووسيلة السعاة لولد بون .... والسنوسيات 
ـ  المنطق  والذي كان سائدا من مصنفاته آنذاك نظم السلم للأخضري .

آلية الإنشاء وطريقة التدبير:
 علمنا مما سبق أنه رحمه الله كان قد التحق به من ذاكر له أو دارسه أو خالطه أيام التحصيل المعرفي وكان يصطحبه من  محظرة إلى أخرى، لكن  والده رحمهما الله كانت له همة عالية يقال إنه ذهب يجوب الاقوام باحثا عن طلاب و مريدين لابنه الصادر لتوه من المحاظر العلمية  وتحفظ عنه الجملة المشهورة (كنا نأتي لتكرمونا بالهدايا والاعطيات واليوم جئناكم نبحث عن أبناء  نابهين ليدرسهم  ولدي -الصح- الذي تصدر للتدريس) ويضمن لهم حسب المجموعات والاسر المزورة يسرا  وعسرا :  الغطاء والوطاء  والعامل وأحيانا دابة حلوب، استمر هذا  التسيير بإشراف محكم التدبير يوزع الطلبة بين ذويه ليتم الإيواء والضيافة على الشكل المنشود، فلا يمكن لأي إنسان أن يضجر من طالب علم أحرى أن يهينه أو يسيء إليه أو يستخدمه ... كان هذ قانون  والده  رحمه الله حتي وفاته نهاية الخمسينيات .
كانت المجموعة تنتقل في رحلة الانتجاع في  المواسم الثلاثة بين مناطق كرو وآمرش وأوكار أحيانا ... لكن ذلك لم يكن يوقف  التحصيل . 
بعد الاستقرار في المدينة أواخر ستينيات القرن الماضي قرر الشيخ رحمه الله  الإيواء الكامل لطلبة العلم وتوزيعهم على أسرته الكبيرة كل يأخذ حسب جهده وطاقته وقد كانت هذه المرحلة أشبه بالمؤاخاة -المدنية - فتتاعرف الأجناس والأعراق  والجهات وتتعانق  وتتلاحق الثقافات في الاحواش والمنازل .. - قد يجري الحوار التالي يقول الطالب لزميله خوي  فيطرح السوال خوك؟ نعم من عند الطاصه وامنا فلانة بنت فلان -يقصد: أنهم يعيشون في بيت واحد و تأويهم أسرة  واحدة  أدت  هذه الطريقة الى تمكين الطالب من الاهتمام بمقرراته ومذاكرته لا يهمه  شأن المعاش ولا تحصيله كما كانت سببا في أخذ الراحة النفسية والاجتماعية التي تجعله يقيم في بيئة تشبه الاهل والاخوة والاقران ..

تنظيم الوقت وضبطه:
من المعلوم  ان أي عمل يراد منه النجاح والاستمرار لابد من تدبير وتنظيم وقته، فقد كان  رحمه الله تعالى رغم كثرة  الطلبة وتشعب مداركهم  ومقرراتهم يوزع الوقت عليهم حتى لا يكاد يبقى له قسط من الراحة ولا وقت للأهل، لأن وقت العبادة هو الآخر محفوظ . 
يبدأ  رحمه الله يومه الدراسي بعد تناول وجبة فطور خفيفة عند السابعة والنصف وما يكاد  ينصرف منها الا بعد وصول الطلائع الاولى مستعجلين قدومه ومتسابقين في تقديم نوباتهم  أيهم الاول مع ان الجلسة الصباحية هي لذوي الهمم العالية والمتقدمين في الكتب والمصنفات الكبيرة من فقه وأصول وقواعد.... يجلس رحمه الله  ويتعاقب عليه الطالب تلو الطالب  وأحيانا الطلبة (الدولة)من طلوع الشمس إلى ما بعد الزوال لا يقطع درسهم الا بركعتي الزوال .
ثم يذهب يتهيأ لقسط قليل من الراحة يقطعه صبية تعهد بتدريسهم القرآن  ثم ينصرف إلى صلاة الظهر ليرابط في مصلاه وتأتيه وجبة الغداء هناك  وبعدها يضطجع في مصلاه لنومة القيلولة رغم تقطعها بكثرة الاستشكالات والتنبيهات والاستدراكات على الطلبة وهم يتذاكرون، هذا الوقت مخصص لتسيير وتدبير شؤون الطلبة وحل مشاكلهم 'وتعيينهم' إن كان هناك قادم منهم وتوديع من سيغادر إن كان هناك. بعد صلاة العصر تبدأ مرحلة أخرى للمبتدئين في المصنفات الصغيرة والمتوسطة وكذلك مقررات علوم القرآن والتوحيد والمنطق... واختبار طلبة (السلكه) في رسم وضبط المصحف وكتابة الشواهد المتشابهة في أسفل اللوح، تستمر هذه المرحلة برهة من الوقت في المصلى قد تصل الى غروب الشمس يتخللها تعليم تلك الصبية وتحفيظهم القرآن العظيم.
المرحلة الثالثة بعد صلاة المغرب وهي أيضا مرحلة رباط بين العشاءين يقرأ ويقرئ ويذكر الله ويوجه طلبته حتى يصلي العشاء فينصرف بسرعة إلى منزله ويسسترخي للراحة رحمه الله .

عمل اليوم والليلة :
كان رحمه كما أسلفت شديد الحرص على أذكاره وأوراده فقد كان يقوم من ثلث اليل الاخير بقيام منتظم حتي يرتبط النهار باليل فيذهب الى مصلاه ويصلى الصبح ويبقى جالسا في مصلاه حتى يصلي ركعتي الإشراق ثم الضحى ليبدأ بالتدريس. ولا يقطعه عن الذكر وقراءة القرآن  شيء  حتي تحسبه يتنفس القرآن فتظنه نائما حتي يرتفع صوته بقراءة آية من القرآن أو مقطع منها ويتفاعل معه حسب ما تحويه دلالة الآية .

تسييره للوقت في الاسبوع والشهر والسنة : 
مما سبق اتضح أنه رحمه الله استغرق وقته التعليم وتدبير مريديه  لكن لابأس بالتطرق الى الباقي من الوقت في أيام عطل الأسبوع  والاماسي التي  تقطع (السبتة) والعطل السنوية ...
فقد كانت أماسي الاثنين والاربعاء جلسات علمية في بيته يحضرها  أهل العلم وقادة الرأي في المدينة  والنابهين من طلبته يدارسون فنا أو مصنفا من أمهات العلوم كالتفسير والحديث ...أو يناقشون نازلة بعينها  وأتذكر تلك الجلسات التي فيها جمع مهيب من أهل العلم يتناقشون ويتذاكرون وأحيانا يرتفع النقاش ويحتد، الحاضرون دائما العلامه عبدالله  ولد الامام  ومولاي أحمد (بياي ) وجعفر  وسيداحمد  سلطان ومولاي  محمد  ويأتي العلامة أحمد ولد احمد المختار من كيفه  وبقدومه يرتفع النقاش وتتعدد الآراء والخلافات وإذا كانت الاماسي موافقة للعطل السنوية تزدان بأعلام من الحجاز والإمارات مثل الشيخ محمد عبد الله ولد الصديق 
ومشايخ الحجاز محمد الامين الحسين  ومحمد ولد سيد الحبيب .....

عطلة الاسبوع الأربعاء كان يهيئ فيها شؤون أسرته من السوق يوم الخميس للمطالعة وكتابة النوازل وتحرير الأحكام وفي المساء صلة الرحم للمعوزين وذوي الحاجات الخاصة من المقعدين وكبار السن ...
عطل السنة : يشغلها بالمطالعة إذا لم يكن له سفر اضطراري لأمر دنيوي ولا يهمه من الدنيا إلا ما يستخدمه وكان بين أيديه كالمركوب والحلوب ... 

مهنته الثانية القضاء :
من المعلوم أن القضاء في بلدنا على المدى المنظور مر بثلاثة مراحل: مرحلة السيبة والتي لم يعشها رحمه الله مرحلة التحكيم وهذه المرحلة التي تولى فيها المستعمر شقي: القضاء الاداري والقضاء الجزائي 
وتركوا للناس الترافع على قضاة يحتكمون إليهم في القضايا المدنية ويمتثلون لحكمهم وهو المسمى بقضاء التحكيم .
وأحيانا لا يروق لأحد الخصوم  فيستأنفون عند آ خر وهكذا ... وقد كان رحمه الله من الأفذاذ الذين تصدر مجلسه كثير من النزاعات والخصومات وهو مبلغ المنتهى في حلها .
وفي المقام أورد نموذجين: واحد في تنظيم مجلس القضاء وضبطه والثاني في تأكيد أحكامه والأخذ بها.
الأول: قدم إليه أحد وجهاء مجتمعه وقد اتفق مع خصمه أن يتقاضيا عنده لفض الخصام بينهما فسبقه  إليه فظن أنه ضيف فامر له بضيافة وهو يكبره ويقدره ويجله... وبينما هو يجالسه ويلاطفه اذ جاء الطرف الثاني فما كان منه الا صاح في وجهه ونهره وغضب عليه قائلا   فلان  تأتيني خصم في ثوب ضيف تستغفلني ..ثم أراق كؤوس الشاي وطوى  الفراش  من تحته وضرب   أجلا  ثان  للاستماع والتقاضي .
الثاني : أخبرني أخي العزيز محمد ولد جعفر حفظه الله  أنه بحوزته وثيقة قضائية وهي عبارة عن تأكيد رأي  أو مسألة قضائية من طرف العلامة الشيخ عدود رحمه الله  المسألة من المسائل الشائكة  حينها  فتناقلتها المحاكم ودرجاتها إلى أن وصلت إلى العلامة الشيخ عدود رحمه الله وهو إذ ذاك رئيس المحكمة العليا فأخذ المكتوب ومسحه على وجهه وقال كيف بقاض يقرأ هذ الدر المنثور  ويعدل عنه والله انه الحق عين الحق، ثم عنف القاضي الذي عدل عنه وأكد ما سطره رحمه الله.

جهوده:  لم  يهتم شيخنا بالتأليف شأنه في ذلك شأن بعض أهل العلم حيث كانوا  لا يكتبون الا للضرورة القصوى ويعتبرون  التكرار في التأليف قبل الحاجة الماسة ضرب من الانحطاط الذي يفضي تكرار المصنفات واستهلاكها فلم يكتب إلا في نازلة أو يحرر حكما  ولمنهجه هذا شهود من علمائنا كان منهم علامة زمانه شيخ العلوم كلها مفتي الديار حاضرها وباديها.   الشيخ يحظيه ولد عبد الودود نثر علومه في صدور الرجال .
كان رحمه الله من المشاركين  في الجلسات الحكومية للفقهاء التي نظمتها الدولة  لكتابة بعض  القوانين المدنية في ستينيات القرن  والتي استهلت بها الدولة جهود التقنين .
كان رحمه الله داعية سلم كلما دعت الحاجة إلى ذلك متمثلا قول الله (لَّا خَيْرَ فِے كَثِيرٖ مِّن نَّجْو۪يٰهُمُۥٓ إِلَّا مَنَ اَمَرَ بِصَدَقَةٍ اَوْ مَعْرُوفٍ اَوِ اِصْلَٰحِۢ بَيْنَ اَ۬لنَّاسِۖ وَمَنْ يَّفْعَلْ ذَٰلِكَ اَ۪بْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اِ۬للَّهِ فَسَوْفَ نُوتِيهِ أَجْراً عَظِيماٗۖ)  يدور بين   بين الاقوام   مسددا ومقاربا الى أن  يبرم صلحا ويوثقه 
كان رحمه الله متواضعا عالما  غايته  أهل العلم ومحبوه ، أخبرني من أثق  به من أهل العلم أن قدوم الشيخ محمد الأمين الشنقيطي 'آبه 'رحمه الله في رحلته الثانية الدعوية الى شمال إفريقيا والتي كان منها زيارته إلى الأهل والمرابع، هذه الزيارة جاءت بعد ظهور مؤلفات وكتب ومحاضرات للشيخ آب في الاسماء والصفات وجدت مناوأة ومعارضة من بعض أهل العلم في قطرنا لعدم موافقتها  للمذهب العقدي السائد (الأشعري) قد سأله احد الطلبة النابهين والمقربين منه جدا،  والناس تتهيأ لاستقباله إن كان له رأي من استقباله؟ فقال كلا، فهو شيخي وأخي ولو لم يقدم في ذروة  أيام  الدراسة (السبته) لاستقبلته وهذا شقيقي وصنوي محمد حفظه يهيئ الركبان لاستقباله ثم اكمل كلامه قائلا :آبه علامة زمانه ومجدد دهره ولا يمكنني الاستدراك عليه وهو يفوقني علما وفهما ....)

مدرسته ومساديرها:
  كانت هذه المحظرة من أهم المحاظر التي وفد إليها الموريتانيون من كل الاتجاهات من المناطق الغربية والشرقية والوسطى، وقد انبثقت منها محاظر ومدارس. 
منها على سبيل المثال لا الحصر، محظرة أهل عيسى بوبه وشيخها شيخنا الشيخ  سيد المختار ولد محمد عبدي شبيه شيخه في العبادة والزهد والكرم وعزة النفس عندما تساكنه تكاد تجزم  أنه يحاكيه فرحم الله  شيخنا الشيخ سيد المختار وبارك في عقبه. 
محظرة شيخ شيوخنا أحمد سالم ولد الحاج رحمه وهي محظرة جامعة ذاع صيتها وانتشر خريجوها ...
كما انبثقت عنها محاظر في الشرق والغرب لا نستطيع حصرها والترجمة لأهلها 
تخرج منها على سبيل المثال لا الحصر الشيخ محمد عبدالله ولد الصديق والشيخ أحمد ولد المختار والوزيران العالمان العلامة إسلم ولد سيد المصطف والاستاذ أبوبكر ولد احمد وغيرهم بالعشرات ممن يتصدرون منابر المساجد وكراسي الجامعات والمعاهد ويديرون محاكم ويرافعون فيها ويحررون بها ، كما أن منهم من يسير شؤون البلد من الادارة الى السياسة الشأن العام ... وما زالت تقدم المدد كل عام للجامعات والمعاهد والمهن القضائية والادارية...

وسطيته وعدالته :
كان رحمه الله ممن يأخذ بالأحكام الشرعية بدون شدة ولا ميوعة بل يأخذ بالوسط فلا هو بالمتساهل الذي يتصيد الرخص ولا هو بالمتشدد الذي لا يفهم مقاصد  الشريعة وعللها .يدور مع العلة متى اتجهت. 
فقد استشرف رحمه الله  التشدد والتنطع الحاصل الان، فقد حدثتني الوالدة رحمها الله انه كان يقول (ادور اجو فقهاء إحرم البن اخليفاتكم ) مالكي خليلي لكن تجده لا يأبه بما سطره فيخرج عنه الى الراجح في المذهب وحتى إلى من قوي دليله فقد حدثني الوالد حفظه الله  أنه صلى بهم الجمعة مرات في الجامع الشمالي ويقرأ بالبسملة جهارا لا يهمه قول خليل في البسملة (ولا بسملة فيه وجازت كتعوذ بنفل وكرها بفرض) 
ولعله رحمه الله اطلع على ما ذكره شراح خليل  وهو ان القرافي والغزالي قالا بان الشافعي جزم ببطلان من لم يقرأ البسملة  وأن المالكية  جزموا بالكراهة وان صلاة متفق في صحتها خير من صلاة مختلف في صحتها. مدار الخلاف في هذه المسألة بين القراء. 
يهتم رحمه الله كثيرا  للعلل والمقاصد ومصادر الفقه كالوحيين، وقد ذكر في مجلسه قوم يتشاءمون  ويتطيرون فقال  ذلك لعدم  اهتمامهم  بأصول الفقه  أوقال لعدم اطلاعهم على الوحيين . مع هذا كان يتحرج اذا كان  الحكم  أو الفتوى يعنيه فيتريث حتي يسأل غيره وكثيرا ما كان يراسل  فريد زمانه وعلامة دهره المرابط الحاج ولد فحفو فيجيبه .
كان لا يرى أي حجة لمن يرون عدم وجوب زكاة الورق ويقول إن وجوبها واضح ومبدأ الزكاة  منشؤه على التعليل لا على التعبد وبالتالي كل مال يغني الفقير ويزكي مال الغني  فيه  نصاب،  فالأوراق البنكية تؤدي نفس الدور التي تلعبه -العين- الذهب والفضة في تثمين الاشياء وتقييم المتلفات .

وفاته : توفي رحمه الله مساء الا ثنين إحدي عشر او اثناعشر رمضان 1407الموافق 7مايو 1987وقد كان ذلك اليوم من الأيام التاريخية في المدينة، فغسل في مصلاه وبين طلبته، قام بتغسيله وتجهيزه  العلامة عبد الله ولد الامام الزاهد الورع  ملاي محمد و المختار السالم ولد الخراشي أحد طلابه القدامى رحمه الله ومن المناولين للماء باب ولد محمد رحمه الله طالب من جمهورية مالي وسيد محمد ولد عبدالله ولد خدار البومالكي
كانت المدينة في تلك الليلة في مأتم حقيقي واضح لأنها فقدت قمرها الذي يضيئها  في دياجي الظلم. 
تهاطلت على خيمة العزاء عشرات القصائد من  الشعر الفصيح والحساني نذكر منها مطلعا من قصيدة لاحد طلبته رحمه الله وهو من مدينة ألاك  يحاور المذيع  الذي قدم بلاغ النعي باسم وزارة العدل والتوجيه الاسلامي فيقول :
طرى نبأ فهدم من بناء ...وهد م ركنا كان أجدر بالبناء 
فراجعت المذيع .......  فراجعت المذيع فآلا يمينا لست أعرف بالمراء.
وقصيدة الشيخ ولد الشيخ احمد الذي يجمله فيها مع صنوه في العلم  والزهد شقيقه المصطفى  التي مطلعها:
الله أكبر كم للرزء من أثري...لاتخبرني بفقد الشمس والقمري
...
لاتخبروني بفقد الصح خير أب... والمصطفى من فاق كل سر

بقيت المحظرة معلمة شامخة يفد اليها الطلاب من الوطن ومن شبه المنطقة تولاها من بعده صنوه وأخوه محمد ولد ديد رحمه الله  الذي تنازل عن الجلب والسفر والتجارة إلى التدريس.  ومعه ابن صنوه سيدعال ولد مولاي أحمد حفظه الله  ثم يكمل اللاحق ما بدأه السابق بحفيده محمد ولد الصح والأخ اللغوي النحريري سيدعال ولد جعفر 
حفظ الله تلك المعلمة وأبقاها ذخرا  للقيمين عليها  وللامة الاسلامية وللوطن 
ووفق القيمين عليها بمحاكاة الأجداد والآباء بضيافة واحتضان طلاب العلم ومريديه.

8. مايو 2020 - 17:18

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا