كسائر قوى الاستعمار لا يريد كورونا لحملته الحالية أن تمرّ دون ترك بصمات تبرز قدرته الفائقة وغير المسبوقة وتفوقه في ضراوة الهجمات وسرعة الاكتساح وعمق التغلغل، فعلاوة على زهق الانفس وشلّ الحركة وتدمير الاقتصاد، أحدث الفيروس التاجي تغييرات واسعة في سلوكيات البشر وفرض عليهم نمط حياة جديد مسّ مختلف انشطتهم ومعاملاتهم وطرق عيشهم حتى أنّه بصدد إرساء وتكريس لغته الوبائية الخاصّة من مصطلحات وتعابير غريبة غلب استعمالها على الالسن وتناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي بوتيرة فاقت في اغلب الاحيان سرعة انتشار الفيروس نفسه. فمن كان يستعمل عبارات الحجر الصحي والكمامات الواقية وتيرموافلاش والتباعد الاجتماعي؟ ... وهذه العبارة الأخيرة بالذات موضوع جدال محتدم بين من يخشى ان تفهم على أساس غير جغرافي ومن يقرأها افقيا فقط معبرا بها عن المحافظة على مسافة بين الافراد وعدم اختلاط البشر. والأسلم استبدالها ب" التباعد الجسدي" درءً للتأويلات...
مواصلة لجهود التوعية الصحية وتتبعا لأساليب مكافحة انتشار العدوى بفيروس كورونا المستجد، نتناول اليوم مفهوم التباعد الاجتماعي او على الاصح التباعد الجسدي:
من الناحية التطبيقية، يتطلب التباعد الجسدي ترك مسافة لا تقل عن متر بين انسان وآخر لان قطيرات الرذاذ المتطايرة من فم او أنف الشخص المصاب لن تصل لتنفس الآخر السليم في مسافة ابعد من هذا. وحقيقة التباعد الجسدي ان ننبذ التزاحم والاختلاط والتلامس في حياتنا اليومية. لا مصافحة، لا عناق، لا تخاطب من قريب...
وللتغلب على الاختلاط مع التعايش جنبا الى جنب في حياتنا الاعتيادية، نورد على سبيل المثال لا الحصر بعض الإجراءات الاحترازية الاجبارية:
ـ عدم التجمع : علينا اعتياد نمط جديد من الحياة أكثر مدنية واقل تعريضا بصحتنا وسلامتنا. لنعرض مثلا عن جلسات الشاي وتداول الكؤوس في المكاتب والصالونات المكتظة وكذا التجمهر العفوي لمجرد صيحة حين وقوع حادث او رؤية سارق او سقوط مغمى عليه وما الى ذلك من المسلكيات الهدامة التي يتحتم القضاء عليها في مجتمعنا. أمّا الاجتماعات في إطار العمل فيجب تقليصها لما استدعت الضرورة وخفض الحضور لها للحد الادنى.
ـ البقاء في المنازل: الموريتانيون من أكثر الشعوب اختلاطا وتزاورا ونحن بطبيعتنا البدوية البسيطة نميل الى العلاقات الاجتماعية والانفتاح على الآخر، ربما لتعودنا على الخيمة ذات المنافذ المتعددة. لكن أسلوب الحياة البدوي هذا لا تمكن إعادة انتاجه في المدينة لأسباب امنية واجتماعية واقتصادية وطبعا صحية حذر جلب العدوى من وافد مجهول الهوية المصلية.
ـ تجنب الاكتظاظ في النّقل العمومي : لا بدّ من الحدّ من عدد الركاب والتزام الناقلين كما الركاب بذلك مع تنظيف وتعقيم وسائل النقل.
ـ تجنب الازدحام في الأسواق والساحات العمومية : ربما تكون المسؤولية هنا مشتركة فالباعة عليهم بالإسراع في مناولة بضائعهم ولو استوجب ذلك دعم الطواقم، والزبائن يمكنهم اللجوء الى طرق التوصيل و تحاشي أوقات الذروة.
ـ احترام الصف : مجتمعنا مسكون بنزعة تخطي الرقاب وخرق النظام وهذه نقطة سوداء في سلوكنا الفردي والجماعي، حان الوقت بل فات للتصدي لها والعدول عنها. كل منا في عجلة من أمره؛ عند الدكان كما في البقالة، لدى اخذ سيارة اجرة كما في المطارات، في الصيدليات والمستشفيات، في المدارس والجامعات، في مكاتب الإدارة والحالة المدنية...
ـ اتخاذ وسيلة حماية شخصية للأنف والفم (كمامة، لثام، قناع...)اذا توجب استخدام وسيلة نقل عمومي او دخول الأسواق او محل تجاري...
يظهر من سرد هذه الإجراءات الوقائية أنّ تغيير المسلكيات هو سيد الموقف فما من إجراء عملي مناهض لتفشي جائحة كورونا فيروس إلاّ ويستدعي تغيير عادة او تقليد سيئ متبع في مجتمعنا، وهكذا يتّضح لنا بجلاء دور التربية من أجل الصّحة وضرورة ادراجها في برامجنا التعليمية بغية إعداد مجتمع واع ومحصّن ضدّ تفشي النظريات والعادات والاساليب والتصرفات المنافية او المخلة بمبادئ الصّحة والسّلامة.
حفظ الله الوطن