التخوين وضبط المصطلح / محمد نعمه عمر

في"فصل من كتاب الدهشة" قال الأستاذ فهمي هويدي أن من عجيب أمر الفرنجة أن رؤساءهم يمرضون، وأن الصحفيين يخوضون في الأمر ولا يحابسون، أما الأعجب فإن رؤساءهم لا يسألون فقط عما يفعلون وإنما أيضا عما ينفقون.

وهو ما يعنى أن مرضهم أو مشاكلهم الصحية ليست شأنا عائليا فقط، ولكنه شأن عام أيضا، ويلاحظ الواحد منا أيضا أن الصحفيين الذين تطرقوا لذلك، دخلوا فيه وخرجوا سالمين، لا أحد منهم اتهم بهتك أسرار الدولة أو "التلفيق"  على الرئيس أو تمنى له الشر.

وكأن "هويدي" كان يقصد بالتوصيف "بلاد السيبة"، التي ارتبط فيها مرض الرئيس بالتخوين والمواطنة الحقة، ففي فرنسا يضيف سقط الرئيس ساركوزي مغشيا عليه أثناء ممارسته لرياضة العدو، نقل إثرها إلى مستشفى (فال دوجراس) العسكري، وكتبت عنه الصحافة، ولم يتم تخوينها، لأن الأليزيه كان يعطي بالتفصيل نتائج الفحوص التي يجريها الرئيس. لم يتم التعتيم على وضعه لكسب معركة وهمية مع المعارضة من خلال نفي كل ما ذهبت إليه، أو تصنيف الصحافة بأنها معارضة وتتمنى الشر للرئيس لمجرد أنها نشرت حسب مصادرها.

كان الرئيس خلال خرجته الأخيرة ذكيا عندما نفي صلته بجرم التعتيم، وقال في هذا الإطار لقد صرحت وكشفت المعلومات منذ اللحظات الأولى، لكن المحيطين به أرادوا أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك، فعكسوا الانطباع بأن هناك خلل بين في حال النظام والبلاد.

خلل جعل المعارضة تعلق آمالها على مرض الرئيس، مثلما يعلق الموالون آمالهم على معافاته، ولاشك أن هذا الوضع يعد علامة للعجز، ومظهرا من مظاهر تعمق الأزمة.

إذ ليس من المهم في حقيقة الأمر أن يكون هذا الفرد أو ذاك في وضع المسؤولية، إنما يهم هو الإدارة الحكيمة لشؤون البلاد، وبرضا ومشاركة مواطنيها، وبتوافق قواها السياسية ومكونات مجتمعها.

ومن الواضح أن هذه الاشتراطات غائبة الآن فبعض الرعية غير راضٍ عن طريقة الحكم، والإجماع غائب، والمشاركة معدومة أو هي في أضيق الحدود، والبلاد في ضنك واحتراب.

لكن على المحيطين بالرئيس أن يعلموا أن احتكار المعلومة ومغالطة الرأي العام ستكون نتيجتها دائما ميلاد شائعة أخرى، فكما قال مارك توين: كلما تعرضت الأشياء للتحريم والحظر والمنع، زاد تعلق الناس بها، وتطلعهم إليها.

1. ديسمبر 2012 - 19:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا