معالي الوزير، كاتب هذه السطور مواطن مسلم، يرجو أن يكون مؤمنا، غير مصنف في التيارات الفكرية والمذهبية التي تعج بها ساحة "الشؤون الإسلامية"، يستشعر واجب النصح لكم، مصداقا لما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي رقية تميم بن أوس الداري في موضوع النصيحة. ومثلي لا يفصل لمثلكم..
واعذروني بداية إن لم أسر لكم بالمكتوب فإن ذلك أتم للفائدة، ولكن استقرائي لتعاطي المسئولين مع الشأن العام أوعز إلي أنهم في زماننا هذا، لا يكادون يألون أهمية إلا لما طفا على سطح الدائرة العمومية من الخطاب..
معالي الوزير،
لقد قلتم في تبريركم لقرار كم الأخير بتعليق الجمعة من جديد "إن الحكم يدور مع العلة". وانطلاقا من هذه القاعدة بالذات، لا أجد أحدا يحترم نفسه، رأسه قائم على كتفيه، يمكن أن يبرهن علميا على أن إقامة الجمعة في الأسبوع الماضي سبب مباشر أو غير مباشر في تفشي العدوى بفيروس كورونا في الأسبوع الذي تلاه.. بل لعل تزايد أعداد المصابين في الآونة الأخيرة ناتج عن أخلال في الإستراتيجية الصحية المتبعة حتى الآن لضعف القدرة على الكشف من جهة، وتباطؤ القطاع في الاعتراف بأن البلاد دخلت - للأسف- مرحلة التفشي المجتمعي للوباء من جهة أخرى.
معالي الوزير،
إذا كانت المساجد قد طبقت بشكل متفاوت التعليمات الاحترازية التي أوصيتم بها في الجمعة الماضية، فهل الحل الأمثل في تعليقها جملة وتفصيلا؟ كان حريا بقطاعكم الموقر أن ينزل بطاقمه إلى ساحات المساجد مدعوما عند الاقتضاء بالقوة العمومية ليحمل المصلين على جادة الانضباط، مبرهنين من خلال سلوككم العملي انه بالإمكان الجمع بين إقامة شعائر الله والالتزام بالشروط الصحية الاحترازية! للأسف الشديد لم نركم في هذا الظرف الدقيق مثلما رأينا زميلكم في قطاع الصحة وهو في الصف الأمامي من المعركة ضد الفيروس، كل على مستواه في إطار المسؤولية المشتركة! ألا تذكرون مقالة سفيان الثوري : "إنما الفقه رخصة من ثقة، أما التشديد فيحسنه كل أحد"!
معالي الوزير،
ثمة مؤشرات تبعث على التساؤل عن الأسس التي تقوم عليها قراراتكم. فهل تتأسس على مشورة موسعة من أهل الدراية في الفقه والواقع؟ لو أنكم زرتم مرة أسواق العاصمة لتروا بأم أعينكم ما يقع فيها من الزحمة بين الناس دون التقيد بأدنى شروط الأمان لاستوجبتم صلاة الجمعة. بل إن هناك من القرارات ما يشي بالارتجال كتصدير التعليمات بيوم واحد قبل يوم الجمعة أو بساعات قبل إقامتها،أو كتعقيم المساجد دون توفير المعقم، أو الاكتفاء باثني عشر رجلا لإقامة الجمعة في حضر كنواكشوط الغير قابلة للتطبيق، أو الأمر بالحبس للمخالفين في الرأي...
معالي الوزير،
وفقكم الله وسدد خطاكم في ما فيه مصلحة البلاد و العباد. والله من وراء القصد..