كلمة الإصلاح تعود إلي عنوانها أعلاه في ( الحلقة الخامسة ) بعد مشاركتها في الدفاع عن اكتساح أقدس خلية قد أوضح القرآن للمسلمين جميع ما يتعلق بها من الأحكام داخل نص القرآن نفسه ، فجاءت هجمة صليبية داخلة في قنبلة تسميها قانون مكافحة العنف ضد النساء والفتيات ، بعد تعريته عن وجهه الذي كان يحمل اسم : قانون النوع ، وقد رفضه البرلمان الموريتاني في أشخاص المجلس الماضي ، مع رجاء الجميع من أشخاص المجلس الحالي إتباع سلفهم في رفض هذا البلاء المكتوب لرميه داخل قانون الأحوال الشخصية الإسلامية الموريتانية ليعم عدواه في لحظة جميع الأسر الموريتانية ، المتمسكة بدينها حتى تلتحق بربها بإذن الله .
وبعد رجوع كلمة الإصلاح من تلك المعركة أثناء العشر الأواخر من شهر القرآن ، هذا الشهر الذي فيه ليلة واحدة يساوي العمل الصالح فيها جميع عمل الإنسان الصالح في أطول عمر قد يمنحه الله للإنسان في هذه الدنيا ، وبتلك المناسبة فإن أفضل عون للإنسان فيه هو تذكيره بما سجل القرآن عن مصير الإنسان بعد الموت ، فكلنا يعلم نحن الذين تفضل الله علينا بأن هدانا للإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان وجعلنا من الراشدين بإذنه أن ما بعد الموت لم نعرف عنه إلا ما حدثنا عنه القرآن في آياته بوحيه إلي الرسول صلي الله عليه وسلم وتبليغه لنا بأمانة ، وعلي رأس ما حدثنا عنه القرآن فيما بعد الموت هو عظمة ذلك النعيم المقيم وإلي الأبد مقابل التقلب في نار الجحيم وإلي الأبد كذلك ، وبما أن القرآن نزل بلسان عربي فالقرآن لم يصف لنا هذا النعيم أو ذلك الجحيم إلا بألفاظ مسمياته باللغة العربية ، وإلا فأين نسبة الإطعام والأشربة المقدمة من الله لعباده ومثيلاتها المقدمة من صنع البشر للبشر ؟ وكذلك أين نسبة العذاب الصادر من الله للبشر والعذاب الصادر من البشر للبشر ؟
ولذا فإنه توجد كلمات في القرآن من النعيم مطلقة لا يمكن تقديرقدرها مثل قوله تعالي : (( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءا بما كانوا يعملون )) ، وهناك كلمات من العذاب لا يمكن تقدير قدرها مثل قوله تعالي : (( إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحي )) ومثل قوله تعالي : (( ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ )) .
هذا الجزاء الأخروي المتكرر في القرآن في أوضح عبارة علي المسلم إذا مر عليه أن يقف عنده متأملا هل هو صاحب أي الجزاءين ؟ ، فكل واحد منها مصحوب معه ذكر أسبابه يقول تعالي : (( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون أما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوي نزلا بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون )) سواء كانوا يكذبون بأقوالهم أي كافرين بقول الله كله ، أو بأفعالهم الفاسقة لقوله تعالي : (( وأما الذين فسقوا )) .
ونحن أيضا جميعا نعلم أن الإنسان عندما يولد أول ما يبدأ به عند إدراكه وبأمر المسؤولين عنه هو دخول المدرسة ليؤمن لنفسه مستقبل حياة سعيدة وهذه الحياة العملية المؤمنة لا تتجاوز بلوغه 60 سنة أو 35 سنة من العمل إذا لم يمت قبل ذلك ، فتأتيه فترة التقاعد والعيش بعد ذلك بحصاد تلك المدة من العمل ولكن المؤمَن هي حياة الإنسان في الدنيا ، أما حياته الأخروية فهي لا تنتهي ولا ينقطع وصفها ، إما بالسعادة والعيش الهنيء أو بالشقاوة والعذاب الأليم .
فهذا الجسد الذي كان يعمل بوجود الروح فيه ينتهي عمله الدنيوي بخروج الروح منه ، فالروح هي التي كانت تجلب ملذات السعادة وهي التي كانت تجلب له الألم والعذاب النفسي ، فالجسد يظهر أنه كان مظهرا فقط لظهور النعم والنقم التي تتلقاها الروح داخل الجسد ، فهو بعد موته تراه أمامك لا تنقصه يد ولا عين ولا أذن ولكن الجميع تعطل عمله ، فهو هنا لا تنقصه إلا الروح ، فجميع شخصيته انتهت معنوياتها سواء كانت سياسية أو مادية أو روحية كما يعبر البعض ، فهي قد رجعت إلي ربها في قبضة الملك الموكل بها : (( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلي ربكم ترجعون )) ، فالمتوفي في الدنيا هو الجسد ، أما الروح فيجعلها الله في مكان هو أعلم به تتلقي فيه مباشرة مستقبلها الموعودة به في القرآن : (( أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه )) أي بعد موته مباشرة (( كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين )) لجزائه أيضا مباشرة بعد الموت كما قال تعالي : (( وبشر الذين ءامنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم )) مقابل قوله للآخرين : (( أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين )) ، والإتيان لله يقع أولا بالروح بعد الموت مباشرة .
هذا النموذج الحي الواقع والذي تنادي به الآيات القرآنية آناء الليل وأطراف النهار علي هذا الإنسان عليه أن يتأمله ببصيرته ما دامت روحه داخل جسمه ، وفعل جسمه يعرب عما في روحه من قبول الأوامر الصادرة إليه من ربه : " افعل أو لا تفعل " كما قال تعالي : (( إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله )) ، فأمثال الموتى في عدم السماع لأوامر الخير من الله سوف(( يبعثهم الله ثم إليه يرجعون )).
ولكن علينا نحن الموريتانيين أن نتحاور فيما بيننا عن فهمنا للدين في الموقف الأخروي ما دمنا قادرين علي هذا الحوار في الدنيا كما قال تعالي : (( استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير )) ، فإذا تحاورنا فيما بيننا فسنجد أن أغلبيتنا تأخذ هذا الدين كميراث سواء كان الميراث ماديا أو معنويا ، فالأبناء أو الحاشية أو أتباع الآباء يبدأون مباشرة في المحافظة علي تلك الآثار التي تركها الآباء في قضية الدين شبرا بشبر وباعا بباع ، وعندما نعود إلي القرآن لنعرض عليه ماذا علينا أن نفعل بعد آبائنا نجده يؤكد لنا أن الدين مسألة شخصية بين الله وبين كل فرد أوجده منفردا في هذه الدنيا مثل انفراده بالشرب والأكل وانفراده بالموت والحياة إلي آخره ، بل نجده يحذر من إتباع الآباء في الاعتقاد لأن الاعتقاد قلبي ولا يعرف حقيقة رضي الله عن الموجود منه في القلب إلا الله ، ولذا جاءت الآيات الكثيرة تحذر من أقرب الأقرباء للشخص في قضية العقيدة يقول تعالي : (( يوم لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق )) ، ووعد الله يتمثل في قوله تعالي : (( يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفي كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون )) وقوله تعالي : (( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته و بنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه )) ولذا ضرب الله في القرآن المثل بجميع القرابة : الآباء والأبناء والأزواج والزوجات وأوضح أن أي شيء من هذه القرابة لا ينفع الشخص طاعتها لربها ولا تضره معصيتها لربها كذلك مثل : - إبراهيم وأبيه – نوح وابنه – ولوط ونوح وزجهما – وفرعون وزجه إلي آخره .
وربما يقول قائل أن العلاقة الدينية غير مبنية علي القرابة وإنما تراعي التعاون علي البر والتقوى في الدنيا ليكون ذلك مدعاة لنجاة الجميع عند لقاء الله في الآخرة ، وهذا هنا صحيح ولكن بشروط وهو أن الله وصف الخصائص التي يرضي عن جميع المتصف بها فقال في الرجال : (( التائبون العابدون الحامدون ،،،،)) إلي آخر الأوصاف وقال في النساء : (( تائبات عابدات ،،،،،، )) إلي آخر الآية وزاوج بين الرجال والنساء في هذه الأوصاف في آية واحدة فقال : (( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ،،،، )) إلي آخر الآية ، كما أشار لهذه الصفات بالألفاظ العمومية التي لا يختص بها أي واحد مثل قوله تعالي : (( من عمل صالحا من ذكر وأنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة )) إلي آخر الآية وقال أيضا : (( من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا )) ، كما أن الله وصف أهل التعاون علي البر والتقوى بأوصاف شاملة ودون أي خصوصية لكل ما في هذه الدنيا من هذه الأوصاف يقول تعالي : (( ولكن البر من آمن بالله واليوم والآخر)) إلي قوله تعالي (( وآتي المال علي حبه ذوي القربى واليتامى )) إلي آخر تلك الآيات ، فوحدة هذه الأوصاف تشمل جميع من اتصف بها في أي تاريخ أو أي جهة من هذه الدنيا ، وقد جاء هذا موضحا في القرآن يقول تعالي واصفا لأهل التقي بوصف واحد : (( الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار )) ، وعندما أفرد عباد الرحمان بأوصافهم الخاصة بهم في قوله تعالي : (( وعباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هونا )) إلي آخر أوصافهم العامة المعروفة في سورة الفرقان ، زيادة علي أنه يوجد في القرآن كثير من معاملة الملائكة للإنسان الذي رضي الله عنه سواء ببشارته عند الموت برضي الله عنه وأنه لا يخاف ولا يحزن ، وهذا الإنسان معروف في القرآن بالوصف فقط لا بالانتساب لأي شيء آخر ، وليس بأي علاقة في الدنيا خارجة عن عقيدته وعمله الموضحين في نص القرآن في قوله تعالي : (( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا و أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون )) ، هذا النوع من العموم لا يمكن حصره في القرآن في الآيات المحكمات ، وعندما نصطحب معنا معني هذه الآيات فسنجد القرآن يحذرنا من التفكير في قضية التفرقة في الدين يقول تعالي : (( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء )) إلي آخر الآيات كما نجد قوله صلي الله عليه وسلم : " رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم علي الله لأبره " أليس يعطينا هذا الحديث التمسك بالوصف فقط ، كما نجد القرآن يضرب لنا المثل بقول وفعل أهل الديانات التي سبقتنا ، فمع أنه يثني علي الصالحين منهم في قوله تعالي فيهم (( وإذا سمعوا ما أنزل إلي الرسول تري أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق )) إلي آخر الآيات ولكن عندما يريدون التفلسف في دين الله بأفكارهم ويتدخلون في خصوصية الله وانفراده بمعاملة كل إنسان بمفرده حسب عمله يبين لهم الوحي أنهم خاطئون في تلك الفلسفة الدينية يقول تعالي : (( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه )) فأجابهم الله مباشرة بقوله : (( قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء )) وهذه العبارة الأخيرة تعنينا معهم ، فنحن أيضا بشر ممن خلق إلي آخر الآية ، وعندما قالوا : (( لن تمسنا النار إلا أياما معدودات )) أتبعها الله مباشرة بقوله (( وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون )) ، وكلمة في دينهم هنا خطيرة علينا نحن ، لأن كلامنا هنا في الدين وليس في العادات التي يختلف بعضنا عن بعض فيها ، والله يقول لأهل الدنيا التي تعنيهم هذه الآية في الآخرة (( وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون )) ، فهذا تحذير خطير من الله ، فعلينا نحن أهل الدنيا الآن أن نراجع هذا القرآن دائما معتقدين ما دمنا في الدنيا المقبول فيها من الله تصحيح الاعتقاد أن كل اعتقاد خارج نصوص هذا القرآن وما صح عن النبي صلي الله عليه وسلم سيقول صاحبه غدا : (( ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا )) إلي آخر الآية .
وأخيرا سوف نضرب لنا نحن الموريتانيين هذا المثل الوحيد الماثل أمامنا وهو قضية الشيعة الحالية فهم عندهم مقامات ابتدعوها في الدين يصعدون إليها حسب طقوسهم الدينية ويغيرون عليها العمائم إلي آخره ، ومع ذلك فهم من آخر القرن الأول وحتى الآن يلعنون بعض الخلفاء : ابو بكر وعمر وعثمان علي المنابر ويتهمون عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه وبذلك ورد فيهم قوله تعالي (( والذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم )) وقوله تعالي : (( وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون )) ، فتعيين الطريق المستقيم يكفي فيه قوله تعالي : (( ومن يسلم وجهه إلي الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلي الله عاقبة الأمور )) وقوله تعالي : (( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )) .