عاصفة كروونا في السواحل الأفريقية / محمد ولد محمد عال

عاصفة كروونا في السواحل الأفريقية

كيف أثرت على مشاريع الطاقة الكبرى في المنطقة؟

ربما كان التأثر السلبي للمشاريع الكبرى للغاز الطبيعي في أفريقيا بسبب انتشار وباء كورونا أكثر وقعا على نفوس مواطني وحكومات هذه الدول من أي مخاطر أخرى قد تنجم عن انتشار هذا الوباء. شأنهم في ذلك شركات الطاقة التي بدأت تتزاحم، باستثمارات ضخمة، في عدة مناطق من القارة، للظفر بمصادر جديدة للغاز الطبيعي، وقود المستقبل، حاملة معها وعودا كبيرة لدول المنطقة وشعوبها التي تتوق إلى الرخاء الاقتصادي بفضل اكتشاف واستغلال ثرواتها الطبيعية.

اكتشافات واعدة

مطلع العقد الأخير اكتشفت شركات التنقيب في الموزمبيق احتياطات هائلة من الغاز الطبيعي بلغت في مجملها حوالي 5000 مليار متر مكعب، في حوض ROVUMA وبدأت تلك الشركات تطوير هذه الحقول باستثمارات وصلت عشرات مليارات الدولار، وتوقعت استغلالها مطلع عام 2024.

ووفقا لذلك توقعت مجموعة Wood Mackenzie المتخصصة في أبحاث الطاقة أن تنتج الموزنبيق حوالي 6% من احتياجات العالم من الغاز الطبيعي بحلول عام 2027، كما توقع صندوق النقد الدولي أن تحقق نموا اقتصاديا بنسبة 24% بين عامي 2021 و2025.

وفي نهاية العام 2015 اكتشفت شركة كوسموس للطاقة حقلا للغاز مشتركا بين موريتانيا والسنغال باحتياط يتجاوز 450 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، تنازلت لاحقا عن أكثر من 50% منه لصالح شركة BP.

ووقعت الشركتان مع الحكومتين السنغالية والموريتانية على القرار النهائي للاستثمار في الحقل نهاية عام 2018، باستثمار مليارات الدولار وأعلنت بداية استغلاله مع مطلع عام 2022، بقدرة إنتاجية تصل 2,5 مليون طن سنويا، قبل أن ترتفع إلى عشرة ملايين طن سنويا من الغاز المسال في أفق 2026.

اكتشاف هذا الحقل، الأكبر من نوعه على مستوى غرب أفريقيا، جعل البلدين قبلة لعمالقة الطاقة حول العالم، ومكنهما من جلب استثمارات كبيرة خلال فترة وجيزة، بالإضافة إلى رفع نموهما الاقتصادي بشكل كبير في تقديرات صندوق النقد الدولي.

منحنى خطير

سارت وتيرة تطوير حقول الغاز في هذه الدول بشكل سريع، مدفوعة، من جهة، برغبة الشركات في الأرباح الكبيرة التي ستحققها من خلال استغلال هذه الثروات الضخمة من الغاز الطبيعي الذي يشهد إقبالا متزايدا في ظل الجنوح نحو الطاقة النظيفة، وبرغبة هذه الدول، من جهة أخرى، في تحقيق حلول اقتصادية تخرجها من مآزق الديون المتراكمة وشح الموارد الاقتصادية.

ودون سابق إنذار، ظهرت جائحة فيروس كورونا وانتشرت بشكل سريع وأحدثت تحولات كبيرة في الاقتصاد العالمي، أدت إلى انخفاض غير مسبوق في أسعار النفط وتوقف شبه تام لعدة قطاعات خدمة وصناعية، بالإضافة إلى إغلاق الحدود بين جميع الدول وإلغاء الرحلات الدولية للطيران.

وبعد أشهر من استمرار هذه الوضعية، اضطرت شركات الطاقة إلى مراجعة خططها المستقبلية فكان في مقدمة ذلك مشاريع الغاز في هذه الدول، فقد أعلنت شركة BP عجزها عن استلام المنصة العائمة لاستخراج ونقل وتخزين الغاز لحقل آحميم الكبير، المشترك بين موريتانيا والسنغال، في التاريخ الذي كان مقررا سلفا مع الشركة التي تشرف على تصنيعها. كما أكدت تأجيل بداية استغلال الغاز  في الحقل المذكور من بداية العام 2022 إلى 2023.

وفي نفس الفترة عرضت شركة FAR الأسترالية حصتها حقل SANGOMAR للنفط في السنغال للبيع، معللة ذلك بعجزها عن توفير حصتها من التمويل التي تبلغ 163 مليون دولار، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى تأجيل استغلال هذا الحقل إلى نهاية عام 2023.

الموزمبيق التي ترزح تحت ضغط الديون، ستكون مجبرة هي الأخرى على التأقلم مع التعديل الجديد لأجندات الشركات المستغلة لحقول الغاز فيها، وفقا للإكراهات الاقتصادية العالمية وأسواق الطاقة بشكل خاص، فقد أعلنت شركة أكسون موبيل عدم استعدادها لإطلاق تطوير حقل Coral للغاز الطبيعي، بداية العام الجاري، وهو ما سيؤدي إلى تأجيل بداية استغلاله الذي كان مقررا بداية عام 2024.

ويقع حقل Coral في المقطع 4 في حوض ROVUMA ويشرف على استغلاله تجمع شركات يضم بالإضافة إلى أكسون موبيل شركتي ENI الإيطالية و  CNPC الصينية، ويصل الاحتياط المؤكد في هذا الحقل 450 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، ووقعت هذه الشركات العقد النهائي للاستثمار فيه نهاية العام 2017.

نتائج وآفاق

وبحسب غرفة الطاقة الأفريقية فإن تأخر تنفيذ هذه المشاريع أو تأخر اتخاذ القرارات النهائية للاستثمار فيها سيكلف الاقتصاد الأفريقي مبالغ طائلة، مؤكدة على ضرورة التعامل مع الشركات العالمية للنفط في هذه الفترة على أساس أنها شريك سيساهم في تطوير الاقتصاد المحلي للدول الأفريقية وذلك من خلال إلغاء بعض الضرائب وتعديل القوانين المسيرة لهذا المجال.

وبالرغم من الركود الاقتصادي الحالي، فإن حظوظ مشاريع الغاز الطبيعي في العودة إلى سابق تألقها، تبقى أكبر من أي وقت مضى، حسب ما تؤكده الدراسات المتخصصة في مجال الطاقة، معللة ذلك بالتحول الذي يشهد العالم نحو الطاقة النظيفة في طريقه نحو الطاقات المتجددة والعزوف التدريجي للشركات العالمية عن مصادر الطاقة الأكثر تلويثا للبيئة، مع تنامي هواجس التغيرات المناخية ومحاولات مواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري بالإضافة إلى توفر احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي في مناطق جغرافية مناسبة.

ومع انقشاع أزمة تفشي فيروس كورونا وعودة المياه إلى مجاريها، ستكون هذه البلدان الأفريقية، دون شك، في مقدمة رواد إنتاج الغاز الطبيعي في العالم خصوصا أنها شهدت إقبالا كبيرا من طرف عمالقة الطاقة في العالم، فقد استقطب الحوض الساحلي الموريتاني شركات TOTAL الفرنسية ExxonMobil متعددة الجنسيات و Shell  متعددة الجنسيات و BP البريطانية   و Kosmos  الأمريكية.

وأدت أعمالها حتى الآن إلى تحقيق مؤشرات مهمة في 15 مقطعا من الحوض، بالإضافة إلى الاحتياطات الكبيرة التي أكدتها kosmos في حقلي آحميم الكبير المشترك مع السنغال وحقل بير الله الخاص بموريتانيا.

كما أن المياه السنغالية شهدت هي الأخرى إقبالا مماثلا من الشركات العالمية مثل woodside  و FAR  الاستراليتين و Cairn Energy البريطانية و CNPC الصينية بالإضافة إلى BP البريطانية و Kosmos الأمريكية و TOTAL  الفرنسية.

ونجحت أعمالها الحفرية في اكتشاف حقول كبير من الغاز والنفط مثل TERENGA و  YAKA و  ORCA للغاز و SANGOMAR  للنفط، وتواصل التنقيب في عدة مناطق أخرى مع الحصول على مؤشرات مهمة لوجود احتياطات كبيرة من الغاز والنفط.

وكانت غرفة الطاقة الأفريقية قد أكدت في تقرير صادر نهاية العام الماضي أن مجموع الاحتياطات المكتشفة في هذه الدول الثلاث (موريتانيا والسنغال وموزمبيق) يكفي لتوفير ثلثي الطلب العالمي الحالي لمدة 20 عاما، وسيؤدي إلى رفع إنتاج الغاز في أفريقيا من 28 مليون سنويا إلى 84 مليون طن، أي نسبة 150%، بحلول عام 2025، وهي معطيات تكفي للاطمئنان على مستقبل مشاريع الغاز ومدى قدرتها على تغيير المعالم المستقبلية للخريطة العالمية لإنتاج الغاز.

21. مايو 2020 - 8:14

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا