قال عز و جل " فلولا كانتْ قريةٌ آمنتْ فنفعَها إيمانُها إلَّا قومَ يونسَ لمَّا آمنوا كشفْنا عنهم عذابَ الخِزْيِ في الحياةِ الدُّنيا و متَّعْناهم إلى حينٍ "
ذلك في شأن قوم يونس على نبينا و عليه أفضل الصلاة و السلام ، فكان من شأنهم حين رأوا العذاب فوق رؤوسهم رأي العين أنْ لاذوا براهب منهم متنسِّك فقالوا له : لقد رأيت ما حلَّ بنا ، فما العمل ؟ قال : اخرجوا إلى الصعدات و اجأروا إلى الله بالدعاء ، و فرِّقوا بين الأطفال و أمهاتهم ، و قولوا " يا حيُّ حين لا حي و يا حيُّ يا محيي الموتى و يا حيُّ لا إله إلَّا أنت" .
الأطفال في اللغة صغار كل الدواب ، و منه قول لبيد بن ربيعة العامري :
فعلا فروعُ الأيهُقانِ و أطْفَلَتْ ** بالجلهَتَيْنِ ظباؤُها و نَعامُها
و قول الأعشى ميمون :
الواهب المائةَ الهجانَ و عبدَها ** عوذًا تُزَجِّي بينها أطفالَها
الحال اليوم كما هو عليه في مشارق الأرض و مغاربها مدعاة للتأمل و فسحة للتفكر و التدبر ، و سياحة للروح ، و تطهير للقلوب من أدران و أوحال الحياة ، و في ذلك أقول :
طَـــهِّرْ ثِيابَكَ يُسْـــــتَلَذُّ سَراحُ ** إنَّ الجسومَ كما الحظير مَراحُ
و الفكرُ في ملكوت ربِّكَ ساحٌ ** ما إن تُجَدِّدْه اسْتَـــطابَ مساحُ
" طهِّرْ ثيابك " بنفس المعنى الذي وردت به في القرآن الكريم " و ثيابك فطهرْ" أي قلبك على الأشهر، و منه قول امرئ القيس :
فإن تكُ قد ساءتكِ مني خَلِيقَةٌ ** فسُلِّي ثِيابي من ثيابِكِ تَنْسُلِ
الخوف هذه الأيام له ما يبرره ، لكن ينبغي أن لا يستحوذ على النفوس و يمنعها من التدبر و العظة ، و استكناه عواقب الأمور ، و استجلاء المقاصد ، و المقارنة بين الأحوال و تغيرها ، و غوائل الأيام و نوائبها ، و الحكمة القدرية البالغة من كل ذلك .
لا تكن كما يصور الشاعر:
كأنَّ فِجاجَ الأرضِ و هْيَ فسيحَةٌ ** على الخائِفِ المذعور كِفَّةَ حابِلِ
يًـــــؤدَّى إليــــــــه أنَّ كـــلَّ ثَنِيَّةٍ **تَيَمَّمَها تُلْقِي إليــــه بقــــــــــاتلِ
الكِفَّة : شَرَك الصياد ، و الحابل : الصياد ، و منه الحبالة و هي الشَّرَك أو شبك الصياد ، يقول جرير في إحدى نقائضه مع الفرزدق :
نَظَرَتْ إليكَ بمثلِ عينيْ مُطفِلٍ ** قَطَعَتْ حِبالَتَها بأعلَى يَلْيَلِ
و لْيكنْ خوفك مثل خوف سيدنا عليٍّ كرم الله وجهه حيث دخل عليه أحد عُوَّاده و وجده يتأوه ، فقال له " أَتَتَأوه و أنت أبو الحسن " فرد عليه " أنا لا أَشْجُعُ على الله " ، و هو من هو ؟ ما أكثر ما دفع إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم لواء الغزو!، و كم قدَّمَه للمبارزة :
ليس من يقطَعْ طريقا بطلا ** إنَّ من يتَّقي اللهَ البطلْ
كان رضي الله عنه أكثر خوفه على ولديه " الحسن و الحسين " لأنهما ريحانتا رسول الله صلى الله عليه و سلم .
سأل أحدهم أخاهما محمد بن الحنفية أيام الفتنة" ما لأبيك يلقي بك في مهاوي الردى فكلما عقد لواءً للحرب دفعه إليك دون أخويك "، فقال " أنا يمينه و هما و جنتاه فكان يتقي بيمينه عن وجنتيه" .
هذه شذرات منوعة تكسر رتابة الجو العام .
سلامتكم ...