قبل فترة قليلة كنّا نحتفل بانتصار على الفيروس المتسجد، لكننا نُمهل كثيرا حتى اكتشفنا أنها لم تكن سوى فرصة أهدتها لنا الجائجة كي نستعد أكثر.. وهو مالم نعِه للأسف إلا متأخرا، رغم ما تحدثت عنه وزارة الصحة من إجراءات استباقية.
لكن هذه الجائحة رغم ضررها البيّن على الدولة بجميع قطاعاتها والمواطنين بمختلف فئاتهم، ربما سيكون لها دور محوري في رسم معالم موريتانيا الغد والتي أزعم أنّها ستكون خطوات كبيرة في طريق موريتانيا الدولة.
سأحاول هنا سرد نقاط اعتقدت أنها كانت الأكثر تأثيرا في مجتمعنا الموريتاني:
1- الوعي الوطني:
من المعلوم أن الوعي الوطني بالجمهورية الموريتانية ما يزال من الإنشائيات التي لم تتحقق حتى الآن، فما تزال الانتماء العرقي والقبلي والجهوي يثبت في كل المناسبات تفوقه على الانتماء الجمهوري، وذلك نتيجة لعوامل عدّة: منها السياسيّ المتعلق بمصلحة الرؤساء والنافذين في تكريس تلك الانتماءات لاستغلالها سياسيا، ومنها التربوي المتعلق بضعف التعليم ومنها المتعلق بضعف الدولة نفسها في توفير حقوق مواطنيها دون الحاجة للضغط بتلك الانتماءات التي تتفاعل عكسيا مع مفهوم الدولة.
شعور الموريتانيين إذا بالمصير المشترك في ظلّ الجائحة، والحاجة لدور الدولة الزطنية التي لا تميّز بين القبائل ولا الجهات ولا الأعراق وروح التكافل الوطني بين كافة المكونات والعناصر التي باتت ضرورية في ظل الجائحة ربما ستكتب فصلا جديدا من الإيمان الوطني عند الموريتانيين. وتذكي فيهم روح التنافس الوطني لبناء دولة تكون جاهزة لحمايتهم وخدمتهم في ظل هذه الأزمات بعد وضوح عجز هذه الهياكل الأخرى.
2- الوعي الصحي:
من الواضح للمراقب عن كثب دون المدقق المحقق أننا في بلد مايزال الوعي الصحي في مستوى ضعيف جدا حتى بين الأكثر تعليما وثقافة، جائحة كوفيد19 وعلاجها الوحيد حتى الآن، المتمثل في التباعد الاجتماعي والنظافة الشخصية، طرحا قضية الوعي الصحي بشكل أكثر جدية وبضريبة باهظة للمتهاونين قد تكلفهم حياتهم، وهو ما قد يتغيّر أو يتحسّن على الأقل، خصوصا بين الفئات الأقل تعليما وغير المتعلمين، بعدما فرضت الجائحة على الدولة والمواطنين الاهتمام بالكل وتوعيته.
3- الوعي السياسي:
وهو ما قد يتادخل قليلا مع النقطة الأولى لخصوصية المجتمع الموريتاني وبنيته، لكنّي أقصد هنا بشكل خاصّ وعي الموريتانيين واهتمامهم بالمساءلة السياسية أكثر من أي وقت مضى، وأخذ موقف من كل السياسات الحالية لشعورهم بتأثيرها المباشر على حياتهم في ظلّ هذه الأزمة، الموالي منهم قبل المعارض، نتيجة للأثر المشترك على جميع الموريتانيين ما قد يكون له أثره البالغ على الوعي السياسي والانتخابي في الفترة القادمة بدل التكتلات السياسية التقليدية.
4- الاهتمام بالقطاع الصحي والبحثي:
سلطت جائحة كورونا الضوء على نواقص القطاع الصحي وفضحت كثيرا من الصور الزائفة لحال كان يعتقد أنه أفضل من الوضع الحالي، وقد حدث ذلك بنسب متفوتة على مستوى العالم، سيجعل ذلك الاهتمام بالقطاع الصحي والدوائي من أولويات ما بعد الجائحة: بناء المستشفيات وتحسين ظروف الطواقم الطبية وربما بحث خطة تأمين صحي شامل أثبتت الجائحة أن موريتانيا بحاجة ماسّة إليه.
وربما نشهد تطورا أو ميلادا على الأصح للقطاع البحثي -الطبي والمجتمعي- في فترة ما بعد الجائحة كذلك!
5- الرقمنة وتطوير النظام الإدراي والخدماتي:
بدأت القطاعات الرسمية والخاصة في إيجاد بدائل عن النظام التقليدي للخدمة والتي ربما تأخرنا فيها كثيرا حتى عن بعض دول الجوار، فالتعليم عن بعد والخدمات التسويقية عن بعد والعمل عن الانترنت ربما سيطبع المستقبل الموريتاني بتحولات كبيرة ستساهم في تنمية البلد.
تلك إذا، بعض النقاط الأساسية حسب رأيي، لكن الجائحة بالتأكيد سيكون لها الكثير من التوابع على مستويات عدة، في موريتانيا وفي العالم، و ستشمل أغلب المجالات الحيوية: من العلاقات الدولية العالمية إلى العلاقات الفردية الشخصية.
وموريتانيا التي ماتزال حتى الآن من أقلّ الخاسرين نرجوا أن تكون من أكثر المستفيدين من تبعات الجائحة.