فرحة العيد / محمد محمود ولد سيدي يحي

للوطن في عيده الثاني والخمسين فرحتان؛ فرحة بفضل الله وبرحمته في عودة رئيس الجمهورية إلى أرض الوطن سالما معافى، وهي فرحة عبّر عنها عشرات الآلاف من المواطنين الذين غصّت بهم شوارع نواكشوط يوم استقبال الرئيس، مؤكدين أن للرجل مكانة كبيرة في نفوس شرائح واسعة

من الموريتانيين الذين رأوا فيه الأمل بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وبلغت القلوب الحناجر وكاد المرجفون أن يستفزوا من استطاعوا بشائعاتهم وأوهامهم. كان عاشوراء يوما نجّى الله فيه الوطن من شبح الفراغ بعد أن غرقت أحلام المتهافتين على السلطة في بحر الجموع المتلاطمة التي خرجت لاستقبال المواطن الأول في مشهد لم تعرفه مدينة نواكشوط منذ عقود. إنها فرحة الاستقلال الثاني للدولة الموريتانية؛ عندما وقف رئيس الجمهورية على أعتاب الأليزيه ليعلن أن لهذا البلد مواقفه من ما يجري في المنطقة، وأنه ليس معنيا بطبول الحرب التي تقرع في الشمال المالي، رغم أنه على أهبة الاستعداد للمواجهة إذا فرضت عليه. فرحة استقلال رسم الرجل ملامحه من جديد بإرساء أركان قوية كان الوطن في أمس الحاجة إليها: أولها: وجود جيش جمهوري على أهبة الاستعداد لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية؛ تقوده نخبة من الضباط الشرفاء الذين رفضوا إغراءات السياسيين بالانقلاب على الشرعية، وقرروا أن تكون المؤسسة العسكرية درعا حصينا لحماية المؤسسات الدستورية، والذود عن مسيرة البناء والتعمير التي تشهدها البلاد. ثانيها: تحقيق استقلال مالي للدولة الموريتانية، بعد أن آتت سياسة محاربة الفساد أكلها وأصبحت ميزانية الدولة قادرة على الاستثمار في مشاريع التنمية، و توفرت على مخزون غير مسبوق من العملة الصعبة، رغم الأزمة المالية العالمية. ثالثها: تأسيس حالة مدنية بيومترية ستكون عنوانا لمرحلة جديدة من الشفافية والانضباط الضروري في بلد طالما عانى من الانكشاف أمام موجات الهجرة والإرهاب والجريمة العابرة للحدود، وهو ما لا يمكن إحصاء فوائده السياسية والاقتصادية والاجتماعية. رابعها: تدعيم مناخ الديمقراطية والحريات العامة عبر تحرير الفضاء السمعي البصري، والانفتاح السياسي بين السلطة وأطياف المعارضة الراغبة في الحوار، وهو ما أثمر إصلاحات دستورية وقانونية هامة وتمخّض عن لجنة مستقلة للإشراف على المسار الانتخابي برمّته، وهي إضافة نوعية سيكون لها ما بعدها... لم يكن مناسبا أن يخطئ سياسيون مخضرمون وقادة أحزاب عريقة في تقدير الموقف، بعد أن عجزوا عن إقامة التمييز الضروري بين حق الاختلاف السياسي وواجب احترام رموز الوطن التي تشكل محل إجماع لا يجوز استغلاله في التحزبات السياسية؛ فقد كان رفض الإخوة في منسقية المعارضة المشاركة في حفل رفع العلم استمرارا لسياسة المقعد الفارغ التي طالما عانت المعارضة من ثمارها المرة خلال العقود الماضية، وهم بذلك يكررون خطأ كبيرا عندما رفضوا مشاركة الجيش الوطني خمسينيته في العام الماضي؛ فقد قلنا مرارا وقالها العقلاء في هذا البلد: إن الخلاف السياسي ينبغي أن لا يبلغ درجة الشقاق حول الأمور الجامعة، لأن الرؤساء والحكومات والأحزاب دولة بين الناس حسبما يراه الشعب وتجري به المقادير، والوطن هو الثابت الذي ينتقي من تجارب الجميع لصالح الأجيال القادمة. لقد آن الأوان أن يكفّر السياسيون عن أخطائهم، ويغتنموا فرصة دعوة رئيس الجمهورية للحوار والتوافق للذهاب إلى الانتخابات البرلمانية والبلدية القادمة برؤية موحدة تقرأ حقائق الواقع السياسي بعيدا الإسقاطات والأوهام التي أصبح واضحا أنها سراب بقيعة.. ولا يخفى على أحد أن الاستمرار في المزايدات السياسية ومحاولة إرباك السلطة الشرعية هي أساليب فاشلة تفتقر إلى أدنى قدر من المسئولية والحرص على الوطن، في ظل الأخطار الإقليمية والدولية التي تحدق بالمنطقة. للوطن في عيده الثاني والخمسين تحية إجلال وإكبار للأجداد الذين قاوموا الاستعمار عسكريا وثقافيا، وتحية وفاء وعرفان للآباء المؤسسين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.. ولرئيس الجمهورية في عودته الميمونة نقول كما قال المتنبي لسيف الدولة: هنيئا لك العيد الّذي أنت عيده  وعيد لمن سمّى وضحّى وعيّدا  ولا زالت الأعياد لبسك بعده  تسلّم مخروقا وتعطى مجدّدا   

3. ديسمبر 2012 - 22:13

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا