كيفة : تلك المدينة المسالمة الأصيلة القابعة بهدوء في الشرق الموريتاني .. المدينة الحاضنة الكافلة لكل زائر غريب أو عابر سبيل .
المدينة المعروفة بسكانها الطيبين .. المجبولة بحب الناس من مقيمين ، و وافدين باحثين عن الدفء و العيش الكريم .
كيفة بوتقة ظلت "بردا وسلاما" و قد انصهرت في فرنها الدافئ أعراق و أجناس و ألوان فازدان الإنسان بالبساطة و التواضع .
كيفة واحة للتعايش بين البشر .. جنة لأرباب الكلمة و النغم .. فضاء رحب لسبر الشعر و النثر .. سوق مربح لذوي العد و النقد .
مرآة عاكسة لوجه الوطن .... آه ! و كم كنت أتطلع لسحنة بهية و بنية قوية لهذاك الوطن أفاخر بهما بين الأمم !؟
لكن هيهات فقد أنهك الفساد قواه و قطب الإملاق محياه ! و صار عرضة للفيروسات و الميكروبات و الجراثيم و كل الأوبئة و الأمراض.
كيفة في هذه الأيام يطوف عليها طائف من ربك .. زائر غير مرحب به، و ذلك استثناء في تاريخها .
يطوف هذا الضيف المعادي المتعطش للأذى ، في هذا الصيف غير الاعتيادي ثقيلا على الأنفس ليفسد الألفة و يمزق اللحمة و يصدع الانسجام و يثير الهلع و يفرق بين المرء و أخيه ..
و لعله حين يعلم هشاشة الوضع و ضعف الحيلة و تقصير الحكومة سيرحل فورا -لا محالة - و لسان حاله كأنه يقول "اذهبوا فأنتم الطلقاء" و احتفلوا بعيدكم و كل عام و انتم بخير .
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم بأمر فيك "كوفيد"
عيد بلا صلاة و لا زيارات و لا ملاهي و لا افراح !
عيد يخيم عليه الخوف و الحذر من كورونا .
و قد خرج ساكنة المدينة ضحى يولون الوجوه -كالعادة- شطر الساحة المركزية للصلاة ... فأذن في الناس مؤذن ألا يقربوها !
تلك الساحة التي كانت مسرحا لتطبيق بعض الحدود الشرعية في سالف الأزمان على بعض المستضعفين من بني الانسان دون غيرهم .
تلك الساحة التي عرفت خطبا مؤثرة للشيخ الطالب محمود رحمه الله في ضحى الأعياد .. و كانت متنفسا و ملهى و ملعبا للأطفال في مساءاتها .
تلك الساحة التي تغتسل كل عيد بتلك الصلاة من درن السياسيين الذين ألفوا الكذب و تعودوه في فضائها الرحب ، و من حلم الناخبين المغرر بهم في كل موسم .
ظهرت -تلك الساحة- في هذا العيد جرداء غبراء معتكفة في طهر عن هؤلاء و أولئك ..... لكنها لما تزل تناجي السلطات الإدارية بهدوء كالذي يسبق العاصفة ؛ أن اعدلوا و لا تركنوا للذين أفسدوا و ضيعوا حقوق الناس .. فالعدل أساس الحكم و لتكن أياديكم نظيفة .. فكورونا ليس مطية للتربح .