سيدي الرئيس : التجارب الوطنية الرئاسية كفيلة بإعطاء الدروس لمن يتقلدون المهمة ، والرئيس شخص لا يتصور في حقه إلا الحرص على المصلحة الوطنية بكل مقتضياتها أولا ، الأمر الذي لا يتعارض مع حرصه على مصلحته الشخصية بكل تفاصيلها ثانيًا ، أو على مصالح حاشيته بكل مخاطرها ثالثًا .. وتفاوت السادة الرؤساء بين بان للدولة متعفف ذي أخطاء ، أو خطاء متعفف ذي قوة ، وبين سلطوي متعفف في نفسه ، مفسد لحاشيته ، همه منهم سلطته ، وهمهم منه جمع المال ، أو فاسد مفسد ، همه السلطة والمال ، متخذٍ لحاشيته والمصالح العامة مطيةً لخدمة ذاته ، فجمع وأوعى ، ومرَّ رؤساء في فترات انتقالية ، لم يتح لهم الوقت فرصة لترك بصمة واضحة ، فكانت خصالهم الذاتية أبرز من الرئاسية ، وقد تَدَرَّكَت الصفة الرئاسية من الرئيس " أب الأمة " بكل فضائلها ، إلى الرئيس " اپْرُمْ پُوتِيگْ " بكل رذائلها ، مرورًا بينهما بصفات متفاوتة ..
ولقد تعاقب رؤساء سابقون على البلد ، فلم يشفع للمرحوم المختار ولد داداه جهده في تأسيس الدولة وبنائها ، فأودع السجن بكل قسوة ، ومات في الغربة بكل وحْشة ، ولم تراعى لمحمد خون ولد هيدالة عفته وقوته وإقامته لشرع الله ، فتعرض لأنواع الإهانة ، ولم ينفع معاوي ولد سيد احمد ولد الطائع تساهله وتبجيله لكبار القوم ، وتسييبه للمال العام ، فأخذ غدرا ومازال يعيش في المنفى ، كما لم يستفد محمد ولد عبد العزيز ( وأنتم أدرى ) من مبادراته ، فانقلبت عليه مرجعياته التي أنشأها ، فبقي يعد أمواله بلا متعة !
وسيثبت التاريخ في حق كل ممارس للمهمة نوعية حرصه ، وطريقة نهايته !
سيدي الرئيس :
إن لهذا الوطن خصوصية ألفها ساسته ، تحتاج الجهد لعلاجها ، فكل نخبنا السياسية تطبق قاعدة " الْحَاظْرَة ابْصِيرَة " وهي صفة غير حميدة ، خاصة إذا امتزجت بالقاعدة " .. ومن حضر قسمنا معه وغبناه " ؛ لذلك فهم يتنافسون في مدحكم وحكومتكم حفاظًا على مصالحهم ، كما كانوا يمدحون من كانوا قبلكم في المنصب ! ( وما تناقض المبادرات والمرجعية عنكم ببعيد ) فهم يتغاضون عن أخطائكم وحكومتكم ، ويفوتونها ويجملونها ، خوفا على مصالحهم ، فهل أنتم والوزراء قوم لا تخطئون ؟! ( وما قصة قانون حماية المستهلك إلا أحد الأمثلة على ذلك )
سيدي الرئيس :
أكثر من ذلك وأخطر عليكم ، إنهم يشيطنون لكم كل ناصح ومناصر بالحق وعلى الحق ، يصورونه لكم معارضًا وحاسدا وحاقدا ، غير أن فعلهم ليس بدعًا في تاريخهم النفاقي في الشيطنة السياسية : فلقد شيطنوا القوميين لهيدالة ، وأطلقوا سراحهم يوم الانقلاب عليه ، وشيطنوا الإسلاميين وفرسان التغيير لمعاوية ، وأطلقوا سراحهم بعد الإطاحة به ، وأطلقوا مبادرات المأمورية الثالثة لعزيز ، وتنكروا له بمبادرات المرجعية ( وأنتم أدرى ) ..!!
سيدي الرئيس :
الميزة الجديدة في الوضع السياسي الوطني هامة جدا ، وهي التناوب السلمي على السلطة ، وقد ظهرت أولى تجلياتها في إطلاق لجان التحقيق البرلمانية ، الأمر الذي يستدعي التأمل والانتباه لعدة نقاط :
الأولى : محدودية الفترة الرئاسية بعشر سنين على الأكثر ، ففي أفق سنة 2029 يتوقع التغيير إن شاء الله .
الثانية : التغير الجذري للعلاقات بعد التناوب على السلطة ، حتى بين أقرب المقربين .
الثالثة : تطور التحقيق في التسيير عن طريق اللجان البرلمانية ، التي يجهل ظروف نشأتها ، وعناصر تشكيلها ، ومرجعية انتمائها ، ونتائج أعمالها .
الرابع : قدرة السياسيين خاصة الشباب منهم ، على التأقلم والاستفادة من الأوضاع السياسية المماثلة ، وأهمية ذلك في صناعة مواقفهم التي تتجه نحو نمط سياسي موضوعي .
الخامس : أن تقديم التعديلات على القوانين ليس تخوينا للرئيس ، ولا معارضة لحكمه ، بل هو عمل برلماني صرف ، تحتاجه الجمعية الوطنية في ظل الغرفة الوحيدة ، اتباعا للمثل الشعبي " الِّ اعْشَاكْ وَعْشَاهْ فَگْدَحْ إِلَا اتْهَ إِكُبُّ لَا اتْخَلِّيهْ"
السادس : أن فخامة رئيس الجمهورية ، ومعالي الوزير الأول ، والسادة أعضاء الحكومة يخطؤون كغيرهم من البشر ، ومهمة النواب هي تقويم أخطائهم في مجال التسيير والتشريع ، وقيامنا بذلك واجب شرعي وقانوني .
السابع : أن امتناع غالبية النواب عن القيام بواجب النصح ليس موالاة ولا حبًا ، بل حرصًا على حسن العلاقة مع مصادر السلطة ، جريًا على قاعدة " الْمُكَلّفْ أَخَيرْ اخْلَاگُ مَنْ هَمُّ "
سيدي الرئيس :
في ظل الوضعية السياسية الوطنية المبنية على تاريخها الواضح ، وحاضرها الفاضح ، ومستقبلها الطامح ، تبقى الرئاسة فرصة لخدمة الوطن ، من طرف شخص أغلقت عليه الأبواب كسابقيه جبرا ، من طرف حاشية همها همُّ سابقيها في الحِجَابَة انتفاعا ، مع وجود سياسيين ، منهم غير المُرَوّضِ نفاقا ، ومنهم الهجين تملقا ، إلى جانب شعب مغلوب على أمره عجزا ...
سيدي الرئيس :
سيلتف حولكم المنافقون بجميع وسائل الإرضاء والتعامي ، وسيصلون إليكم بكل طرق الضغط والإلحاح ، وسيتبتلون بين أيديكم بأمتع أساليب التقرب ، وسترضون عنهم رغمًا عن حكمتكم وعقلكم .. لكنها سنة الحياة ، فحاولوا أن لا تُحْرَموا من الصادقين والأكفاء والخبرات الذين لا ينافقون ولا يتملقون ، وابحثوا عن مجهر تبتكروه لينفعكم في ذلك !
سيدي الرئيس :
اقبلوا النصح لذاته ، والناصحين على مخالفتهم .. وانتبهوا من الشيطنة .. الشيطنة .. الشيطنة !!