تعيش بلادنا هذه الأيام ارتفاعا مقلقا في عدد الإصابات بفيروس كورونا، ذلك الفيروس الذي اجتاح العالم، وشل حركة الاقتصاد في كثير من الدول، فحيَّر العلماء وأتعب الأطباء، وزرع ثقافة الفرار والتنافر بين الأحبة قبل يوم الفرار الأكبر؛ يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه...
في ظل هذه الأجواء الاستثنائية يأتي عيد الفطر المبارك؛ مقبلا بوجه حزين على أمة ألفت البسمة فيه واقعا معيشا والفرح لوحة مرسومة على جبين الأفق.. لَبِس بعض الأطفال فيه الجديد لكن حركاتهم ظلت مثقلة، مقيدة بقيود الضرورة والاحتراز، وانسجاما مع خيار الحظر وتجنبا لإكراه الحجر.
لقد دفعنا واقعنا الحالي المفزع إلى مواكبة المستجدات اليومية؛ نُتابع الأخبار مساء كل يوم بلهفة المضيع وخشية المترقب؛ نعم ضيعنا راحة البال ونشوة العافية لمّا بالغنا في التراخي والتهكم على طبيعة هذا الفيروس القاتل وتشبعنا بما لم نعط؛ فلبسنا ثوب السلامة المطلق زورا وبهتانا، وألبسنا غيرنا ثوب البلاء والندامة، تعديا وسوء تقدير؛
لم تعد فرضية طرد الفيروس بالأنظام والأشعار والتنكيت بالمعالجة المجدية ولا بالفسحة المسلية، بل بات شد المئزر وإيقاظ الأهل من سبات الغفلة وطوق الرعونة والإهمال أمرا مُلزِما وواجبا نافعا –بإذن الله- نعم ذلك أقل ما على المواطن البسيط فعله، وعلى الحكومة والسلطات المعنية بالوباء خاصة، الصحية والأمنية؛ زيادة الإجراءات والتشديد على تطبيقها فالوضع لم يعد يحتمل أبسط الثغرات ولا يمكن تبرير أي خطإٍ فيه مهما كانت المسببات، وعلى هيئات المجتمع المدني والفاعلين الاجتماعيين مهما كانت صبغتهم الشخصية فردية أو جمعوية؛ أن يساهموا بفاعلية من أجل تقليل الأخطار الناجمة وتطويق الفيروس وشلِّ حركته، فلا راحة أبدا مع انتشار الفيروس، ولا جدوى من التنظير دون المساهمة الفعلية، ولا قيمة للانتقادات الموجهة للحكومة وللجهات المباشرة لمواجهة الفيروس وكل من يقفون في الخطوط الأمامية ضده؛ ما لم نشاطرهم بذل الجهد؛ كل من جهته وحسب قدرته، فالموقف لم يعد يتيح التفرج للبعض ويُلزم البعض بالمواجهة دون غيره، فحرى بنا جميعا أن يسأل كل منا نفسه في لحظة صفاء وصدق مع ذاته؛ ما ذا قدمتُ لنفسي ولمجتمعي ووطني والعالم في سبيل مواجهة هذا الوباء؟ ما هي الأشياء العملية التي يمكن أن أساهم بها وتكون مفيدة في مجابهة هذه الجائحة؟ ما الذي منعني من تقديم ما أملك من طاقات ومؤهلات؟ هل فات الأوان على ذلك أم أن البدار بإمكانه إحداث الفارق أو إضافة التأثير الإيجابي للحد من هذا الخطر وإراحة الضمير وإيقاظ جذوة الإنسانية وحيازة الفضلية بنفع الآخرين؟.. لِمَ لا أبدأ؛
طبعا القيام بكل هذا وتصحيح مسار التعامل الفردي والجماعي مع المشكل لا يُسقط المسؤولية عن الجهات الحكومية المباشرة لمقارعة الوباء ولا يقلل من حجم المطلوب والملزم عليها فعله؛ إنما هو فقط جهد إيجابي لا ينبغي أن ينفك عن أيٍ منا؛
ولا يفوت في هذا المقام أن نُنَبِّه على أن كل جهد إيجابي في هذا المجال يجب أن يذكر ولا يُقابل بالنكران كما يفعل كثير من مرضى العواطف الوطنية، كما لا يجب السكوت على أي تقصير أو إهمال بنفس الوتيرة والحماس، فالصدق أبقى والإنصاف من شيم الأشراف، وشرف المسلم في عون أخيه المسلم، وسلامة المسؤول من العيوب رهن أمانته بعيدا عن العواطف التي تدفع إلى المحاباة ظلما للبعيد وإن أجاد وأفاد، وذودا عن القريب وإن خان وقصّر وضيع الأمانة!!.
أعود وأجدد وسأظل أكرر كما غيري يفعل أن ضرورة نشر الوعي أصبحت أشد إلحاحا من أي وقت مضى، وهنا يجب التنبيه على إنعاش ذلك عند الأسواق والمساجد إضافة إلى وسائل الإعلام بعمومها، من المهم جدا بل من الواجب أن نُخاطب الناس عبر مكبرات الصوت لكل مسجد بعد كل صلاة مكتوبة ونشدد عليهم بالتزام التعليمات من تعقيم وتباعد وبقاء في البيوت لكل من يجد بدا من الخروج، وعلى الجميع تفعيل قراءة القرآن في المساجد وهو الإجراء الذي اتبع بداية تيمنا وتحصنا ثم توقف وطولب به بعد ذلك لكن يلاحظ في كثير من الأحياء عدم التجاوب مع ذلك!، وكذلك يلزم وزارة الشؤون الإسلامية أن تزود كل المساجد بمواد تعقيم وليس مجرد القيام بتعقيم بعضها في حدث قد لا يكون عاما وحتما سيكون كما لوحظ عابرا؛ فالعملية تحتاج تكرارا واستدامة، والملاحظ أيضا والحمد لله أن رواد المساجد مازالوا كما كانوا –تقريبا- وإن كانت اللحظة تقتضي الاحتراز والتقليل من التجمهر، لكن الصحوة التي شهدها المجتمع وبها أو معها عمّر المساجد، جعلت رواد المساجد كُثر والحمد لله والمنة له وحده، لكن ذلك ينبغي أن يُقابل في هذه الفترة خاصة بما قوبل التجمهر عند الأسواق بالتعقيم والاحتراز لأن الوباء ابتلاء ولا أحد يملك ضده بطاقة الأمان ما لم يتقيد بأسباب الوقاية ثم يتَّكِل على الله الحفيظ سبحانه وتعالى، فأقدار الله لا تحابي أحدا، وعلى كل منا أن يحيي عقيدته بقوة التوكل على الله دون أن يفرِّط في الأسباب المطلوبة شرعا والموصى بها احترازا.
وعلينا أن ندرك أن المسؤولية أصبحت مسؤولية الجميع، ولذا يجب أن نقوم بما يلزم، كل من موقعه وبما أُتيح له، بعيدا عن تدافع التهم وهدر الوقت والجهد في مماحكات بينية لا تجدي نفعا ولا تقتل فيروسا أو تُقيد حركته.