لا صوت في بلادنا، اليوم، يعلو على صوت معركتنا المقدسة الظافرة، إن شاء الله، لحماية أطفالنا وآبائنا وأمهاتنا، ومجتمعنا، ككل، من جائحة كورونا الكونية التي تهز الدنيا من اركانها هزا، وتحصد مئات الآلاف من الرجال والنساء؛ وهي معركة ما تفتأ شغل مساحة الاهتمام الوطني الاولى، رسميا وشعبيا حتى يتحقق النجاح- بتوفيق الله- في محاصرة الفيروس المسبب للوباء، وعزله بالكامل.
لو كان في مساحة الاهتمام الوطني مكان لغير الوباء وتداعياته، اليوم، إذن لرأينا السقف يخر على بارونات الفساد وسماسرته، من فوقهم، ولزلزلت من تحتهم الكراسي، على وقع الوعيد المدوي لرئيس الجمهورية محمد الغزواني، في خطابه بمناسبة عيد الفطر، عندما قال بالفم الملآن: 《لن نتساهل مع أي شكل من أشكال الفساد》!!
لا تساهل مع الفساد..! لا جرم أن من أحس نفسه معنيا بذلك الوعد، قد تجرع تعبير الرئييس عنه بمرارة، وازدرده بصعوبة بالغة، فلعبة التقلب في أنواع الفساد، ظهرا لبطن، إنما كانت تجري تحت مظلة "التساهل" وهو التعبير الذي اختاره الرئيس اختيارا، لأنه، بالنسبة لديناصورات الفساد وحيتانه الكبيرة والصغيرة، ليس مجرة مفردة تشير لمفهوم معين، بقدر ما هو سمة عامة لحالة وطنية لتغطية الفساد، عمرها عقود، من الزمن، وإن كانت عشريتها الأخيرة أسوأها على الإطلاق.
كالحة، سوداء عجفاء... وتلك بعض سماتها، فهي التي استشرى فيها القساد بشكل غير مسبوق، حتى بات القاعدة العامة، وغيره استثناء ونشاز؛ أكله الناس في بطونهم، وأشربوه في قلوبهم، ومن لم يأكله أصابه من غباره؛ فيها تم لاول مرة اختراع تلك الوسائل القذرة والجشعة، التي استعملت في تصفية أملاك الدولة، والأصول العقارية لها، وكل ما مثل صفحة في كتاب نشاة وتطور نواكشوط، ثم زج بكل ذلك في سلسلة مزادات وهمية، تحول من خلالها في صفقات مشبوهة، الى غلول واملاك شخصية وعائلية.
ربما لم يكن اختيار الرئيس لمفردة التساهل اعتباطا، بل ربما اراد ان يتجرع غصتها ويزدرد مرارتها، بعض من هم حول الرئيس، ما يزالون، من اطقم الفساد وصناعه وشهوده، حيث إن من شأن ذلك ان يسهم بنجاعة، خوفا وطمعا، في كف أيديهم التي الفت التصرف تحت حالة التساهل، عما تحتها من مال الله والناس، ريثما تتضح وتتبين الأ نسجة الصحيحة لشبكة السلطة والنظام الجديد.
الرئيس الغزواني، في وعده وعهده، بعدم التساهل مع اي شكل من أشكال الفساد، نجح في دغدغة آمال وأماني وتوقعات الجماهير من ضحايا المفسدين، وقدم، في الوقت نفسه، ميثاقا غليظا بالتزام الشفافية، والإلزام بها،، كما استبطنن في وعوده، وعيدا وتهديدا، لصد المتلاعبين السابقين واللاحقين بمقدرات الأمة، حاضرا ومستقبلا، وخاصة في مغبة الجائحة العالمية الحالية، وتداعياتها وإكراهاتها.
ومن المرجح أن الرئيس الغزواني وهو يقدم وعدا وعهدا، ووعيدا وتهديدا، ذبا عن مال الله والأمة، قد فكر فادكر أن نظام سلفه، كان، وهو في قمة فساده الممنهج، يرفع شعارات الشفافية و مكافحة الفساد، وربما زج ببعض المتهمين في السجون والمنافي، في قضايا جرائم اقتصادية مفترضة، ثم ربما استرجع بعض الغلول منهم، قبل ان يعيد لهم الثقة بمواقع جديدو.
إذا جد الجد بالرئيس الغزواني ومضي بمشروعه وتعهداته إلى الأمام، فمن حقنا ان نتوقع تناثر العشرات من رفاق أجيال الفساد المتطاولة، على امتداد طريقه للإصلاح، وحينها يكون من حقنا ان نحلم بعهد لا فساد فيه؛ عهد تكون الكلمة فيه لبطانة الخير التي تأمره بالمعروف وتدله عليه وتعينه، فلا يكون لبطانة السوء خيار غير النكوص على أعقابها.