عندما عاد الرئيس الجنرال محمد ولد عبدالعزيز من رحلته العلاجية إلى فرنسا كتبت عن رسائل العودة مقالا لم يعجب فيما يبدو المقربين من ساكني القصر الرمادي المزهوين بالعودة فجاء تصرفهم خارج السياق المعروف للتعاطي مع الرأي لقد كان استهدافا مباشرا هو أقرب ما يكون لمحاولة القتل مع سبق اصرار وترصد
ولكن الله سلم فله الحمد في الأولى والآخرة. كانت الإدانة قوية من مختلف الزملاء ومن كل المؤسسات الصحفية المحترمة وكذلك كانت على المستوى الوطني العام لكن الأمر بدا للرئيس الجنرال أمرا عاديا جدا بل هو جزء مما يتعرض له الصحفيون مما لايستحق أي استنكار أو تعاطف يمكن حتى أن نفهم أن الرئيس الجنرال يعتقد أن الصحفيين يستحقون أكثر من مجرد الدهس والتهديد بالقتل فهم ناس فضوليون ومهنتهم مهنة يشتغل فيها بالأساس شراذم من خريجي نظام تعليمي فاشل لايخرج إلا الأدباء والحقوقيين والاقتصاديين، ويحرم الوطن من الميكانيكيين الجيدين ومحصلي الضرائب ! كانت تلك هي الرسالة الأولى وربما الأخطر بين رسائل المغادرة التي وصلتنا من الرئيس الجنرال ساعات قبل عودته إلى فرنسا لاستكمال العلاج من الإصابة البسيطة التى تعرض لها قبل نحو شهرين ،وتطلبت ثلاث عمليات جراحية وإقامة أربعين يوما تحت الرقابة الطبية المكثفة. أما الرسالة الثانية فكانت إعلامية أيضا وتقول بلغة واضحة إن هناك إعلاما جيدا أو يحسن الحديث معه ،وهناك إعلام سيئ يحظر الحديث معه، بالكاد استطاعت معايير الجودة أن تتسع لخمس مؤسسات إعلامية للمشاركة في مؤتمر صحفي دام قرابة الساعتين.. ليست الملاحظة على المؤسسات التي حصلت على بطاقة الدخول للقصر فهي تستحق وبعضها يبذل جهدا مضنيا من أجل ذلك، بل هي على حرمان العشرات من المؤسسات الإعلامية من القيام بدورها في إعلام الناس بما يجري في القصر وما يدور في خاطر ساكن القصر من أفكار وتأملات، خاصة أن بعض المواطنين الطيبن جدا توقع أن ما بعد الرصاصة اللغز قد يكون مختلفا عما قبلها فربما يكون الحادث وفر فرصة للرئيس الجنرال للتفكير بطريقة أكثر اتزانا خلال الأربعين يوما التي قضاها في فرنسا للعلاج من الإصابة البسيطة التي تعرض لها، لقد كان واضحا أن ذلك الظن إثم في حق الرئيس الذى يعتبر أي تغيير أو تنازل أو ثورة أمراعديم الفائدة أو بالمختصر المفيد جزء من مشكل التعليم الذى لايخرج إلا القليل القليل من الميكانيكيين والمحصلين إنه تعليم بائيس من وجهة نظر الجنرال المتفلسف الرئيس محمد ولد عبدالعزيز. وثالثة الرسائل كانت إعلانا رئاسيا بعودة حظر الأنشطة والتحكم في حق أساسي من حقوق المواطنين هو حق التجمع فقد أغلق الرئيس الطريق أمام المستقبل مرة واحدة مستعيدا بذلك التوجيهات السامية لمعلمه الأول العقيد معاوية ولد الطائع الذى تعود إشهار ذات الورقة في وجه المخالفين.. لقد كان من الإيجابيات التى تكرست منذ العام 2005 تمكين الناس من التعبير والتجمع دون الكثير من العراقيل لكن الواضح أن هذا المكتسب أصبح مهددا فبعد تعرض النشطاء الطلابيين والحقوقيين للقمع المتكرر خلال العام المنصرم هانحن نعود لحظر الأحزاب ووصم بعضها بصفات غير لائقة لمجرد أنها لاتعجبنا أو أنها ربما لاتعجب من يعجبنا. رسالة أخرى - غير جديدة للأمانة - في خطاب الرئيس الجنرال لكن استمرارها كما وجودها أصلا يمثل قلقا دائما لكل المؤمنين بموريتانيا وطنا لكل مواطنيها.. لاجديد لحل مشكل الإرث الإنساني فالمقاربة هي ذاتها المعبر عنها منذ البداية؛ نستطيع بنزر يسير من التعويضات نقدمها هنا أو هناك أن نتجاوز الأمر، بعبارة أخرى الرهان على شراء الدماء والذمم لتجاوز المشكل وتلك مقاربة خاطئة خاسرة لكنها الوحيدة المتوقعة من رجل وصل للسلطة لحماية منصبه الشخصي قطعا ولكن أيضا لوقف مسار مصالحة رائع كان الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله قد بدأه بطريقة حكيمة ومنصفة كانت كفيلة أن تسمح لموريتانيا بتضميد جراحها في جو من السكينة والإنصاف والعدل.. تك فرصة ثمينة ضاعت مع فرص أخرى. وبالجملة لم تختلف رسائل المغادرة كثيرا عن رسائل العودة فقد أكدتها وزادت أن الرئيس الجنرال الذى يفترض أنه المسؤول الأول عن أمن جميع مواطنيه لايرى غضاضة في الاستهداف المباشر لمخالفيه لقد تبنى الرئيس عمليا البلطجية التي نفذها مقربون منه بعد العودة واضعا بذلك الحجر الأساس لمرحلة جديدة من السيبة قد يكون من المبكر التكهن بالنهايات التي ستصل إليها فعندما يضرب رب البيت الدف قد لايكون من السهل منع الأطفال من الرقص.