بعد قراءتي للقانون النظامي رقم 12 – 94 المتضمن النظام الأساسي للقضاء ، المعدل بالأمر القانوني رقم 2006 – 016 الصادر بتاريخ : 12 يوليو 2006 ، وللدستور الموريتاني الصادر 21 يوليو 1991 المعدل في سنوات 2006 و2012 و2017 ، وتحديدا الباب السابع منه المتعلق بالسلطة القضائية الذي تضمن ثلاث مواد : 89 ، 90 ، 91 تناولت استقلال القضاء ، سجلت مجموعة من النقاط بعد دراسة تقييمية للنص القانوني وعلاقته بالنص الدستوري ، بدءا بأهمية استقلال القضاء وظيفيا ومؤسسيا ، وانتهاء باستعراض أهم الضوابط المهنة للمهنة القضائية ، وذالك في سبعة محاور:
#المحور_الأول_أهمية_استقلال_القضاء:
يعتبر مبدأ الفصل بين السلطات أحد مبادئ الممارسة الديمقراطية ، ويقصد به توزيع وظائف الدولة على هيئات منفصلة تستقل كل منها عن الأخرى في مباشرة وظيفتها ، بحيث تتحقق داخل الدولة سلطة قضائية تتمثل وظيفتها في فض النزاعات والحكم فيها ، ويعني ذلك تحرر القضاء من أي تدخل من جانب السلطة التنفيذية والتشريعية وعدم خضوع وظيفة القاضي ومؤسسة القضاء إلا للقانون.
1- #الاستقلال_الوظيفي:
يعني ذلك استقلال القاضي وظيفيا في ممارسته لمهامه ، فوظيفة القاضي تتأثر من مبدإ الفصل بين السلطات ، مما يعني أنه لا يجوز للسلطتين التشريعية والتنفيذية التعرض للوظيفة القضائية بصفة مباشرة أو غير مباشرة بأي إجراء يمكن أن يؤدي إلى المس من هذا المبدإ .
2- #الاستقلال_المؤسسي :
يعتبر الاستقلال المؤسسي من أسس الاستقلال المهني والوظيفي ، ويعني استقلال المؤسسة القضائية بمختلف هيئاتها ودرجاتها عن السلطات الأخرى ، وتوفير كل الوسائل والآليات القانونية التي تمكن المجلس الأعلى للقضاء والمحاكم في مختلف درجاتها من القيام بمهامها بأكمل وجه .
#المحور_الثاني_ضوابط_مهنة_القضاء:
لقد نص القانون النظامي رقم 12 – 94 المتضمن النظام الأساسي للقضاء ، المعدل بالأمر القانوني رقم 2006 – 016 الصادر بتاريخ : 12 يوليو 2006 ، في المادة 7 منه على مايلي: " لا يخضع قضاة الحكم في ممارستهم وظائفهم القضائية إلا للقانون." ، ومع أن مضمون هذه المادة يجسد مبدأ استقلال مهنة القاضي كما نص على ذلك الدستور الموريتاني وتحديدا الفصل الثامن والمادة: 89 في فقرتها الأولى، التي تبين من مضمونها أنها أسست لاستقلال القضاء بشكل عام : " السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ."
إلا أن الفقرة الثانية من نفس المادة ، نصت على أن : " رئيس الجمهورية هو الضامن لاستقلال القضاء ." ولم يتم تفصيل معنى "الضامن" هنا وما هي علاقتها بمضمون الفقرة الأولى من المادة 89 آنفة الذكر.
#المحور_الثالث_تعيين_القضاة:
نصت المادة 4 من القانون رقم 12 – 94 أيضا على مايلي : " يتم تعيين القضاة في مختلف الوظائف القضائية اعتبارا لرتبهم وأقدميتهم داخل هذه الرتب بمرسوم من رئيس الجمهورية بناء على اقتراح من المجلس الأعلى للقضاء بالنسبة لقضاة الحكم .." ، بمعني أن السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية جمعت بين سلطتي الاقتراح بصفة الرئيس هو رئيس المجلس المجلس الأعلى للقضاء ، و سلطة التنفيذ لتعيين القضاء ، وهذا ما يطرح إشكالا قانونيا في الجمع بين الصفتين ، مع التذكير أيضا بأن هذا يتناقض مع نص المادة 89 من الدستور التي أكدت على استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية .
#المحور_الرابع_تقييم_القضاة:
نصت المادة 24 من نفس القانون كذلك على أنه : " يقيم نشاط كل قاض سنويا في بطاقة تقييم فردية تحتوي علامة من 20 وعلى تقييم عام لمعلوماته وكفاءته المهنية والمعنوية ، يجب على كل قاض أن يقدم بطاقة تقييمه إلى جهة التقييم فاتح يونيو من كل سنة ويستلم عنها وصلا .
توجه هذا البطاقة إلى وزير العدل قبل فاتح يوليو من كل سنة ".
والمادة 25 كذلك على مايلي: " يتم التقييم بالنسبة للقضاة الجالسين من طرف رئيس المحكمة العليا بعد أخذ رأي المدعي العام".
مما يعني أن وظيفة القاضي تخضع لتقييم السلطة التنفيذية في إجراءين الأول تسليم البطاقة لوزير العدل والثانية في أخذ رأي المدعي العام الذي يخضع للسلطة المباشرة لوزير العدل ، بالإضافة إلى أن رئيس المحكمة العليا الذي يقيم القضاة غالبا ما يتم تعيينه من خارج مؤسسة القضاء بمرسوم من رئاسة الجمهورية ، وهذا ما يتناقض مع المادة 90 من الدستور ومع الفقرة الأولى من المادة 89 من الدستور على الأقل ، ويطرح إشكالا حول علاقة هذا بالفقرة الثانية من نفس المادة التي تنص على أن الرئيس هو الضامن لاستقلال القضاء..
#المحور_الخامس_المسطرة_التأديبية:
في مجال الإجراءات التأديبية للقضاة نصت المادة 38 من القانون رقم 12 – 94 ، على أن " الرقائع التي يمكن أن تسبب متابعة تأديبية للقضاة تبلغ إلى المجلس الأعلى للقضاء من طرف وزير العدل "
وهنا تثار أيضا مسألة مخالفة المادة لمضمون المواد 89 و90 من الدستور إذ كان من المفترض أن يتم إبلاغها بالنسبة للقضاء الجالس من طرف رئيس المحكمة العليا وبالنسبة للقضاء النيابة العامة من طرف المدعي العام لدى المحكمة العليا.
#المحور_السادس_تشكيلة_مجلسي_القضاء: ( القضاء الجالس ، وقضاء النيابة العامة )
أما بخصوص تشكلتي المجلس الأعلى للقضاء ، نصت المادة 47 من القانون رقم 12 – 94 ، على أنه : " يتألف المجلس الأعلى للقضاء من :
• رئيس الجمهوية
• وزير العدل
• رئيس المحكمة العليا
• المدعي العام لدي المحكمة العليا
• المفتش العام للإدارة القضائية والسجون
• نائب رئيس المحكمة العليا الأعلى رتبة
• ثلاثة قضاة منتخبين من طرف زملائهم لمدة سنتين
• ممثل عن مجلس الشيوخ غير برلماني أستاذ قانون أو محامي يعين من طرف رئيس مجلس الشيوخ لكل سنة قضائية
• ممثل عن الجمعية الوطنية غير برلماني أستاذ قانون أو محامي يعين من طرف رئيس الجمعية الوطنية لكل سنة قضائية"
يتبين من نص هذه المادة أن هذا القانون لم يعد يواكب النص الدستوري لاسيما بعد التعديلات الأخيرة ، وخصوصا الفقرة الرابعة من المادة 89 من الدستور التي نصت على : " يتألف المجلس الأعلى للقضاء من تشكيلتين ، إحداهما مختصة بالقضاء الجالس والأخرى مختصة بقضاء النيابة العامة " ، أي أن مجلس القضاء لم تعد يتألف من تشكيلة واحدة ، ويترتب على ذلك أن العضوية ستكون حسب الاختصاص ، هذا بالإضافة إلى أن تعيين ممثلين برلمانيين يخالف نفس الفقرة الأولى من المادة 89 آنفة الذكر ، مع العلم أن البرلمان وفق التعديل الجديد أصبح يتمثل في غرفة واحدة .