رحل المجلس العسكري عن المشهد المصري، بعد أن واجه مقاومة صلبة من الشعب وقواه الحية، لكن جاء دور القوى المضادة للثورة المصرية، لتنظم انقلابا مدنيا على الشرعية.
الإعلان الدستوري هو مجرد شماعة للنيل من الشرعية التي أفرزتها انتخابات مصر الأخيرة، والدليل هو المسار القلق الذي عرفه مسلسل الأحداث منذ انتخاب الرئيس المصري الحالي.
بعد أن نجح الرئيس مرسي رغم ضغوط المجلس العسكري، وفشل مناورات هذا الأخير، بدأ الانقلابيون التآمر على الرئيس المنتخب بتأليب القيادات العسكرية، وفشل هذا التصرف الانقلابي أيضا، فبدأت الحملة على المائة يوم واستفزاز الرئيس المنتخب بكل صنوف الاستفزاز اللفظي والعملي بغية الحصول على قرارات رسمية متشنجة يمكنهم وصفها باللاديمقراطية تبرر الثورة المضادة التي تتم اليوم في تجمع مسرحي يضم جموعا مصرية طيبة يتم استغلالها وتندس فيها جماعات فلولية فاسدة وخاطئة وتقودها قيادات سياسية انتهازية فشلت انتخابيا ومرضت نفسيا بوصول الرئيس المنتخب قادما من مرجعية إيديولوجية معارضة لتلك القيادات.
لقد اتضح أن موقف الرافضين للإعلان الدستوري، ليس بسبب الإعلان وليس غيرة على الديمقراطية، بل لأسباب أيديولوجية علنية وموجهة وغير مبررة.
كانت الجمعية التأسيسية تعمل بجد وتوافق ولو بوجود خلافات عميقة بين أعضائها، لكن الأعضاء المعارضين اليوم للإعلان كانوا يبحثون عن وسيلة للتملص من الدستور وحتى للانقلاب على الرئيس نفسه.
ليس بخافٍ على أي متابع فطن أن المحكمة الدستورية وبعض رجال القضاء وجهات مدنية وقيادات سياسية "مهزومة"، كارهة للإخوان وذات حساسية عالية منهم، أصيبت بصدمة من وصول رئيس "إخواني" وقررت القيام بانقلاب مدني متدرج يبدأ بحملة على الرئيس المنتخب ثم على الإخوان وعلى السياسات المتبعة بغية إفشالها، ثم تعطيل كل قرارات الرئيس وحل الجمعية التأسيسية وحل الشورى، ثم الانتقال إلى المرحلة الأخطر وهي الإعلان عن الفراغ الدستوري لأن "الرئيس غير شرعي" لأن الانتخابات مزورة أو فيها خروقات وغيرها من الأعمال الاستئصالية لتتكامل أركان الانقلاب المرجو بالثورة على النظام المنتخب واختطاف الثورة والشرعية وإعادة الأمور إلى نظام ظاهره شخصيات معارضة لمبارك وباطنه من الفلول من قيادات الصف الثاني.
جاء الانسحاب من اللجنة التأسيسية من أجل تحويل الرفض للإعلان إلى تعطيل لصدور الدستور نفسه، والدخول في ثورة مضادة من ميدان التحرير تعيد توجيه مسار ثورة 25 يناير إلى وجهة جديدة.
جماعة الثورة المضادة ترابط في الميدان لإسقاط الإعلان لكنها تعلم أن صدور الدستور يكشف زيف مطالبها ولذلك فهي تعارضه أيضا ولكنها تواجه منعطفا خطيرا وهو وقوفها في وجه التصويت الشعبي الحر على دستور راقٍ متكامل أفرغ فيه جمع المصريين القانونيين والسياسيين قصارى جهدهم وعصارة فكرة وثمرة تجاربهم، لكن الشعب سيقول كلمته ويلغي الإعلان ليحل محله دستور الجمهورية الثانية التي تقوم على أنقاض حكم العسكر والحرامية الذي استمر في أم الدنيا نصف قرن أو أزيَد قتل فيها روح الإبداع وأكل أعراف الدولة الوطنية ودق "إسفين" الكراهية بين أبناء النيل على أسس طائفية وإقليمية، وأخرج مصر من دورها العربي والدولي، بصدور الدستور يختار شعب مصر وثيقة قانونية راقية ومتوازنة ويلقم المتجمهرين من أرباب الثورة المضادة المزورة حجرا ضخما بحجم هرم خوفو وينفض السامر ويظل النهر الخالد يتدفق من الجنوب إلى الشمال لكن هذه المرة في ظل الحرية والعدالة.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.