لكم الله يا علماء موريتـانــيــا / الطيب ولد سيد احمد

عرفت ساحة المجتمع المدني الموريتاني ترخيص أول جمعية للعلماء الموريتانيين في بواكير القرن21 .

وأعتبر ترخيصها خطوة مهمة على درب خلق أطر تنظيمية للعلماء وأئمة المساجد والمحاظر .... وأولتها السلطات العمومية يومها عناية معتبرة حيث مولتها تمويلا سخيا حسدتها عليه القطاعات الرسمية حينها وأوكلت إليها تنفيذ مشاريع تنموية استراتيجية مثل : مشروع محو الأمية على عموم التراب الوطني انطلاقا من تعبئة وتنظيم طاقات شيوخ المحاظر و أئمة المساجد ؛ ثم أسند إليها من بعده تنفيذ مشروع دعم المحاظر والتعليم الأصلي ؛ فنصبت مكاتب جهوية واكتتبت منسقين جهويين بعدد الولايات للإشراف على العمل الميداني ووضعت تحت تصرف كل منسق سيارة دفع رباعي جاهزة ووفرت مكاتب مجهزة وعينت مفتشا عاما مكلفا بالإشراف التربوي والرقابة المالية وبات لها حضور مشهود على عموم التراب الوطني وأصبحت المحاظر والمساجد التي تستفيد من خدماتها تعد بالمئات بمعدل راتب شهري مبلغه ثلاثون ألف أوقية ؛ وتم تكوين كادر مهني احترافي .

  لكنها مع مرور الزمن وما شهده البلد من تحولات سياسية وعدم استقرار فقدت البوصلة في غياب مرجعية رشيدة حاسمة ورقابة كاشفة ؛ وإدارة على مستوى التحديات؛ فتسيبت وتميعت حتى سامها كل مفلس ونكبت الطريق واستـنسر بغائها وتم تهميش المفتش الذي كان آخر شاهد على ما يجري داخل أروقتها فانفرط عقدها واستحالت جرح فساد نازفا يلتهم مئات الملايين سنويا من ميزانية الدولة الموريتانية دونما أي خدمات تعود بالنفع على المستهدفين ؛ فجمد عمل المكاتب الجهوية أو كاد؛ وحجب إيجارها؛وسحبت سياراتها إلى انواكشوط حيث تم التخلص منها في ظروف غامضة؛ وألغي الدعم الذي كان يصرف للمحاظر؛ والمساجد وتم الشطب على المنسقين الجهويين .

   وتم اختزال الجميع في ما بات يعرف بالأنشطة؛وهي عبارة عن دعوة جَـفَـلا تشكل قوافل مكوكية تتحرك تحت عناوين مختلفة لذر الرماد في العيون ؛ تتسع للذين يعلمون والذين لا يعلمون ؛ تنفق في الرحلة الواحدة إلى ولاية واحدة عدة ملايين بين نقود جيب ومصاريف سفر وإقامة في الفنادق وضيافة بينما تخصص للولاية المستهدفة خمسمائة ألف أوقية ترصد نظريا لصالح خمسين إماما أو شيخ محظرة لكنها في واقع الأمر لا تعرف طريقها إليهم نتيجة فوضوية التحضير وإنما تصرف على غير هدى حيث تعبث بها المحاباة وتداعياتها.

  طفح الكيل بهذه الأنشطة في السنوات الثلاث الأخيرة:2017 ـ 2018 ـ2019 حتى غدت مسخرة مقززة التهمت الأخضر واليابس فاشتد الاحتقان في صفوف العمال وتواترت الاحتجاب منهم لأنهم ما عادوا يجدون رواتبهم وهم يتابعون بحسرة وألم ما يجري من نهب وهدر لمقدرات مؤسستهم ؛ ولا أحد ترفع إليه المظالم؛ فقل الحياء وسقطت هيبة المسيرين واستبيحت أعراضهم وما ذلك إلا أنهم﴿ كانو لا يتناهون عن منكر فعلوه ....﴾تم ذلك كله بإشراف ومشاركة الجهة الرسمية الراعية بل بقيادتها الميدانية فهي صاحبة اليد العليا ونصيب الأسدمن الكعكة بحكم كونها قناة التمويل مما يسمح لها بإملاء شروطها ووضع يدها على طلباتها المالية نقدا دون أن تترك اثرا تمكن ملاحقتها به قانونا على ان تغض الطرف عن مصير الباقي فقطوأما اليد السفلى المسكينة فحسبها أن تُطلق في الباقي تتصرف فيه كيف شاءت ؛ أهو إذن تعاون على البر والتقوى ام على الإثم والعدوان؟ .

  هكذا انتهى المطاف بهذه المؤسسة المثيرة للجدل بعد عقدين من الزمن دون أن تترك أثرا إيجابيا يدل على أنها كانت موجودة يوما ما؛ فلا مقر مملوكا لهامركزيا ولا جهويا ولامحظرة مشيدة أو مدعومة من طرفها ولا مسجد كذلك رغم ما اجترحته هذه المؤسسة من أموال تعد بالمليارات ؛ حسبها أنها ربما تكون وفرت فرصا لثراء بعض الأشخاص إذا كان ذلك هدفا مشروعا من أهدافها أصلا.

  كان واردا جدا أن تكون أولوية أي وزير يعين للقطاع بعد انتخابات 2019 أول بأول مراجعة وضعية هذه المؤسسة التي ما عادت تطاق؛ وأن يستبعد ويطلب محاسبة كل الضالعين في الفساد ولو كانوا رسميين ولم لا ؟ ورئيس جمهورية سابق قيد المساءلة أمام البرلمان ؛ وذلك لعمري أمر صحي فالقانون فوق الجميع لمصلحة الجميع؛ ولا أمل في تنمية ولا استقرار إلا بعدالة نافذة ؛ ولا عدالة بدون شفافية في الإجراءات .

وكان من حسن حظ القطاع أن عين عليه شاب من أبنائه يوصف بالطيبوبة والعلم والورع ؛ وتم منحه ـ كغيره من أعضاء الحكومة ـ من الصلاحيات والدعم ما يلزم لإنجاز مهامه على ما يرام ؛ بيد أن الصفات المذكورة رغم كونها محمودة ومطلوبة غير كافية لانتشال هذا القطاع من الوهدة التي يتردى فيها منذ بعض الوقت إذ أنتسيـير الملفات المعقدة والكوادر المتمرسة في ما هي عليه يحتاج إلى تجربة تراكمية في التسيير؛ وخطة استراتيجية مدروسة محددة الأهداف؛ وإرادة نافذة ؛ وقرارات صارمة ؛ وحزم في المواقف .

ولعل ابرز تحد واجه الوزير تمثل في ملف رابطة العلماء هذه؛فكيف تعامل معها؟

  نعم لاشك أن لدى الوزير خلفية سابقة عن هذه الرابطة قبل تعيينه وهو ابن القطاع وربما كان قد اكتوى بشرارة من فسادها يوما ما ؛ وبمجرد تعيينه سيملأ سمعَـه الحديثُ عنها وعن ما اقترفته من آثام سيما وأن ساحتها تغلي بالمتظلمين؛لكنه على ما يبدو آثر الإعذار إليها ببقية 2019 ربما ظنا منه أنه قد يصلح ما بها؛ أو تصلح هي من حالها ؛ بل أكثر من ذلك عمل عملا حثيثا من أجل أن يستعيد لها كل ما ادعت أنه ضاع من مخصصاتها ابتزازا أو سرقة على أن تسدد ما يطلب عليها من حقوق متراكمة؛ فاستعيدت الأموال لكن الحقوق لم تسدد وانتهت سنة 2019 على هذا النحو  فماذا بعد؟.

  ربما كان المقام يقتضي من الحزم والحيطة مع هؤلاءأكثر مما يقتضي من حسن الظن والأعذار في الوقت بدل الضائع استئناسا بحكمة المتنبي الخالدة :

ووضع الندى في موضع السيف بالعلى**  مضر كوضع السيف في موضع الندى 

 

بات على معالى السيد الوزير أن يتخذ موقفا ما يرفع به التحدي؛ فتمثل ذلك الموقف في الشطب على عنوان رابطة العلماء واستبداله بهيئة العلماء . 

   لقي هذا القرار حفاوة وترحيبا في الساحة واشرأبت أعناق الجمهور تطلعا إلى مؤسسة جديدة تليق بمقام العلماء الموريتانيين؛ وترفع من شأنهم ؛ وتوقع الناس اعتمادا على بعض التسريبات أن تضم الهيئة الوليدة نخبة من العلماء من مختلف الطيف العلمي ممن لهم قدم راسخة في الدعوة إلى الله تعالى وباع واسع في العلم وصدى وطني مقنع أسوة بالانفتاح السياسي الذي يعرفه البلد ؛ تنتخب من قاعدة مؤهلة قانونا وذات مصداقية طبقا للنصوص المنظمة لهيئات المجتمع المدني وتحت إشراف جهة محايدة؛ولن تضن الساحة العلمية الوطنية بمثل هؤلاء يملؤون فراغا هو بأمس الحاجة إليهم؛ ويضربون مثلا حسنا لما ينبغي أن تكون عليه جمعيات العلماء؛ لكن الملف على ما يبدو لم يُـنضج بما يكفي لتحقيق النقلة التصحيحية المطلوبة فعاد من حيث أتى؛ ورفع الستار فإذا فريق رابطة العلماء كما هو يتصدر مشهد هيئة العلماء كما لو كانت المشكلة حصريا مشكلة عنوان فقط؛ ولكم كانت صدمة الجمهور!!! أتصحرت الساحة العلمية الوطنية إلى هذا الحد؟ أم نحن أمام هيئة خداج؟ أو هكذا تشكل هيئات المجتمع المدني المحترمة؟ أمأن هيئات العلماء استثناء؟

   ما هكذا يا سعد ....

لكريم علمكم لا شرعية انتخابية في رابطة العلماء المنحلة لأي احد من هذا الفريق الذي كثر اللغط حوله فكلهم تسللوا إليها لواذا في سنوات تسيبها وتموقعوا فيها بطرق غير قانونية ؛ والقاعدة أن ماأسس على باطل فهو باطل؛ أما الذين لهم شرعية انتخابية تأسيسية فقد استـنكفوا عن هذا المستنقع الآسن؛أو غيبوا عن عمد وسبق إصرار؛ أو غيبهم عجز مفض إلى حجر شرعي مستحق ؛ ومن بين هؤلاء الغائبين أو المغيبين شخصيات وطنية مرموقة لا يتناولها الحديث هنا بطبيعة الحال إذ﴿ ... لا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيئ ولو كان ذا قربى ﴾ بل﴿ كل نفس بما كسبت رهينة﴾ تلكم عدالة الله التي شرع لعباده؛ وورث العلماء شرف حملها عن الأنبياء .

إذن في ظل هذا الجمود ماذا يمكن للمرء أن يتصور غير استمرار الأمور على ما كانت عليه؟ فساد يضرب أطنابه على نحو ما اعتاد الناس وسئموا . 

  ترى هل في الأمر محاولة لتدوير وتلميع هذا الفريق من أجل إعداده لجولة جديدة من الفساد؟ وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟ أم هي محاولة للتنصل من حقوق العمال المطلوبة على الرابطة؛ والحال أن التمويل لا يزال على اسمها ؛ وحقوق العمال يكفلها القانون وأخطاء التسيير تتحملها المؤسسات ؛ ولها أن تقاضي من أجرم بحقها؟ .

أليسالأحرى بمؤسسات تتقمص عباءة العلماء لتستمطر بها التمويلات الوطنية الرسمية والأهلية وما تيسر من غيرهما أن تكون قدوة حسنة فيما تضطلع به من أمور؛ وان تضرب المثل الأعلىعلى نبل المقاصد؛ وصدق اللهجة؛ ونظافة الأيدي؛ وطهارة الجيوب والبطون؛ وشفافية الممارسة؛ والبعد كل البعد عن مستنقعات الفساد ومواقف الشبه .

 أما محاولة اتخاذ بعض العمال كبش فداء او مشْجبا تعلق عليه اوزار الماضي  لإعفاء الجهة المسؤولة أصالة أمام القانون من الاتهام والمساءلة أو اللوم فهو ضحك على الذقون وظلم بواح كائنة من تكون الجهة التي يتستر عليها ؛ بل يذكرنا هذا السلوك بما انذر به الحديث الشريف(إنما اهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق منهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)متفق عليه.

 أوليسالأولى في هذا المقام بهيئة العلماء الفتية التشبثبالآية الكريمة﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون﴾ سورة المائدة الآية08

للأسففشلت هيئة العلماء حتى الآن في تصحيح وضعية العمال الذين ورثتهم عن رابطة العلماء رغم التسريبات المتواترةالمطمئنة من مصادر الوزارة أن حقوق العمال مصونة وأن هدف الإجراءات المزمعة وضع حد للفساد غير أن المعطيات العملية كانت خلاف ذلك؛ فلائحة العمال المقدمة إلى فريق الوزارة المشرف ضمت(217)اسما وهو رقم برأيهم مبالغ فيه وقد يكون كذلك لذا تتعين مراجعته؛وكان من الوارد والمنصف أن يطلب إلي من شملتهم القائمة إثبات علاقتهم برابطة العلماء بطرق الإثبات الإدارية كأن تطلب منهم وثائق عمل أو كشوف حسابات .... فمن أثبت علاقته صرفت إليه حقوقه ومن عجز كفانا مؤنته ولو فرضنا جدلا أن جميع(217)عاملا أثبتوا علاقتهم القانونية برابطة العلماء وأن في العدد زيادة على الحاجة فقانون الشغل المعمول به ينظم طرق تسريح العمال الفائضين عن حاجة المؤسسات؛ بما يكفل حقوق الطرفين .

  ـ أما إسناد مسؤولية الفرز إلى أشخاصمثقلين بكل اوزار الماضيولهم أجنداتهم وميولهم ومصالحهم وصراعاتهم الخاصة ليختاروا فاختاروا 70 شخصا على مزاجهم وتركوا(147) آخر تندب حظا عاثرا في صحارى الوهمفي غياب أي معايير ومبررات قانونية وسط تعتيم مطبق ؛ فهي ذات الممارسة التي أودت بحياة رابطة العلماء من قبل وستصيب هيئة العلماء في مقـتل إذا استمرت الأمور على هذا النحو .

   هذا الإجراء يشكل خرقا سافرا لمدونة الشغل الموريتانية المعتمدة التي تنظم العلاقة بين العامل والمشغل سلبا وإيجابا وهو فوق ذلك تلاعب واستهتار مشين بأرزاق عشرات المواطنين الذين كانوا ينتظرون حقوقهم بفاقة وشغف .

وقد ترتب عليه كثير من الشبهات والأخطاء فقرصنت بعض الوظائف من البعض وهو في مكان عمله وسوابقه مشرفة لتسند لغيره بدوافع مكشوفة وأضيف بعض الأشخاص بطرق ملتوية ربما يكون بعضهم من خارج اللائحة محل المراجعة؛ وتقاضى أشخاص رواتب عدة أشهر وبقي آخرون لم يتقاضوا شهرا واحدا ومازالوا يطلبون بقية رواتب 2019؛ واجتزئت رواتب بعض الذين صرفت لهم رواتب؛ وزيدت رواتب آخرين؛ تم  ذلك وراء أبواب مغلقة وبدون أي معايير مقنعة .

  فهل تستطيع الهيئة نشر لوائحها أمام المعنيين بشفافية لتبرئة ساحتها أمام جمهورها على الأقل؟ وما الذي يمنعها من ذلك إذا كانت تثق في إجراءاتها ؟ وهل تستطيع أن تبين كيف اختارت البعض وأقصت الآخر ؟

وفيم يكمن الفرق إذن بين رابطة العلماء وهيئة العلماء إذا كان التمويل لا يزال كما هو؛ وفريق التسيير كذلك هو نفسه؛ والفساد كذلك ربما يكون بكفاءة أعلى؛ والعنوان كما هو (مسند إضافي في الحالتين) شطره الثاني (العلماء) في حالة جر دائماوصدره في الأولى رابطة وفي الثانية هيئة؛ والرابطة في المحصلة هيئة؛ إذن لا فرق .

 

كنـتِيلعـﯖَـلمالحَ ومْـقرد  ماك أمالـحَْ

واليوم أصبحت مالــحَ    ومْـقرد ماك  أمالـحْ

 

28. مايو 2020 - 17:42

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا