وباء كورونا المستجد؛ الذي سوى بين الغني والفقير ؛ القوي والضعيف ؛ السياسي والمواطن العادي ؛ سوى بين الظالم والمظلوم ؛ بين الأديان والاثنيات والألوان ؛ فشكرا كورونا ما أعدلك ! .
لقد باتت البشرية برمتها فى خندق واحد ؛ تواجه فايروسا عابرا للحدود والقارات ؛ يخافه صناديد حكام العالم ؛ لا تقتله الصواريخ ولا مقاتلات الطائرات ؛ أرعب العالم بأسره ؛ وأخاف الكبير قبل الصغير ؛ والكافر قبل المسلم ؛ دمر اقتصادات العالم ؛ وحطم امبراطوريات كانت تطاول عنان السماء ؛ ليتراءى للكل مدى هساشة هذه البناءات التى يختبئ بفنائها الإنسان ؛ حيث ظهر الكل على حقيقته التافهة والضعيفة ؛ والمتهاوية أمام فايروس لا يعرف غير الفتك والتنكيل ؛ بعدما كانت البشرية فى مأمن من قدر لم يكن ليحيق بها ؛ إلا بعد أن تجبرت وتكبرت وعتت وطغت عن أمر ربها ؛ فكان حقا على الله أن يعيدها إلى وضعها الحقيقي ؛ وهو ما أخبرنا عنه رسوله الكريم بقوله : ( حق على آلله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه) ؛ وهكذا فهذا الوباء استجابة للنداء الرباني ؛ لما طغا وسطا الحكام على شعوبهم بتجويعهم وترويعهم وتركيعهم ؛ لتتدخل العناية الإلهية وتستجيب لأناة وآهاة المظلومين والجوعى والمرضى ؛ آناء الليل وأطراف النهار ؛ فشكرا كورونا ما أعدلك ! .
وبناء على ما قلناه ؛ فالكورونا ماهو إلا إعادة لترتيب الأشياء فى هذا العالم؛ وتعريتها ؛ لتظهر على حقيقتها ؛ بعد أن شابها التمويه واللاتمايز ؛ فزمن الكورونا زمن إعادة التأسيس والتفكير ؛ بل والإنصاف؛ إنه زمن التأمل والوقوف لقراءة الحياة من زوايا متباينة ؛ بدل أن كنا نقرأها من زاوية واحدة تتحكم فيها القوى العظمى ؛ فشكرا كورونا ما أعدلك ! .
لقد توحد العالم؛ بعد أن كان مقسما بين قوى الشر وقوى الخير ؛ بين التقدميين والرجعيين ؛ بين اليسار واليمين ؛ بين أقلية جشعة تكدس المال ؛ وأكثرية مفقرة بلا مأوى ؛ بين من يموت على قارعة أبواب المستشفيات والمستوصفات ؛ وبين آخرين يصرفون الأموال الطائلة فى مساحيق التجميل والماكياج وشراء آخر صيحات السيارات الفارهة ؛ فشكرا كورونا ما أعدلك ! .
هكذا تساوى الكل ؛ أهل القصور والقبور " الأكواخ " ؛ ويحجز الكل فى غرفة واحدة ؛ لاسؤال فيه اليوم عن الغني ولا الفقير ؛ لا سؤال فيه عن النسب والحسب ؛ ولا عن اللون ونوعية الشريحة ؛ إن البشرية اليوم كأسنان المشط ؛ إنه فايروس يخفي وراءه بعثا مصغرا للإنسانية " القيامة " ؛ ليذكر الكائن البشري بإنسانيته المفقودة ؛ فشكرا كورونا ما أعدلك ! .
عسى الكل أن يخرج من هذه المحنة والابتلاء ؛ مختلفا عما كان عليه ماقبل وباء كورونا ؛ متسلحا بروح أنقى وحب للانسانية أسمى؛ وحينها يمكن أن نرسم معالم نظام عالمي جديد ؛ أكثر إنصافا وعدلا وإنسانية؛ بل وروحانية " spritualisme " وزهدا ؛ فشكرا كورونا ما أعدلك ! .
فهلا استوعب العالم الدروس والعبر من جائحة وباء كورونا ؛ وهل تغيرت نظرتنا لبعضنا البعض على أننا سواسية ؛ على أننا من طينة أب وأم واحدة ؛ على أننا محكوم علينا أزليا بالعيش معا ؛ وعندما يتألم أحدنا حتما يتألم معه الآخرون ؛ فشكرا كورونا ما أعدلك ! .
لا ريب ولا شك أن البشرية استوعبت الدرس والعبرة من الكورونا ؛ الذي أوصد دور العبادة بالجوامع والمساجد ؛ وأوقف التدريس فى المدارس والجامعات والمعاهد والكليات؛ كما أوقف نمو إقتصاد العالم ؛ فشكرا كورونا ما أعدلك ! .
لقد عرفنا ومنذ الآن قيمة النعم التى نملكها ؛ أو كدنا من خلال هذا الوباء اللامرئي ؛ وتيقنا بأن آلله هو القادر على دفعه عنا ؛ حيث قال جل من قائل : ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) . فيجب أن نؤوب ونحور إلى ربنا ونعيد ترتيب علاقتنا معه ؛ والذي لا يعجزه شيء ولا يعارضه أحد فشكرا كورونا ما أعدلك ! .
اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد
حفظ آلله البلاد والعباد من فايروس لايرى وآخر يرى .