حاربت الفساد باستقالة ودافعت عن أهله في مقالة / د.سيدي المختار الطالب هامه

في مقال سابق عنوانه "نعم لمحاربة الفساد ولا لمعاقبة المفسدين" عذلني كثيرون أحسبهم من الثوار والشباب الحالمين ومن الذين لا يزالون يأملون للعرب والمسلمين قوة وأسباب دنيوية تمكنهم من استعادة مجد فقدوه؛ ومن عذل هؤلاء رميي بانبطاح الكادحين أيام حكم الرئيس السابق ولد داداه واستسلام أصحاب اتفاقية أوسلو والقيمين أو القائمين حاليا على تسويق "اتفاقية القرن" إلى غير ذلك من النعوت.

ولكن بالمقابل عذرني آخرون ممن صدمهم ربما عنوان المقال المذكور وحفزهم على قراءته بتمعن واستحضار واقع البلد والظرف الإقليمي والدولي والتحولات السريعة والمتسارعة التي يعرفها العالم منذ أن تكشفت  أكاذيب قياداته بشأن العولمة ومكافحة الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل، تلك الأكاذيب التي ستتكشف أكثر للشعوب إبان جائحة فيروس كورونا وبعدها.

فكان الجهد الذي بذلوه في سبيل فهم موقفي المتناقض ظاهريا قد مكنهم من اكتشاف الهاجس الكبير لدي في إبعاد الفتنة النائمة والتي ملعون من أيقظها كما أوصلتهم قراءتهم لما بين السطور إلى أنني "مع" تطبيق مبدإ محاسبة ومعاقبة المفسدين ابتداء من وصول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الحكم  وأنني "ضد" تطبيق ذلك المبدإ على مفسدي عشرية الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز دون غيرهم؛ بعبارة أخرى توصلوا إلى أنني مع محاربة الفساد ومعاقبة المفسدين إذا شمل القرار الأجيال التي عاصرت مجيء المستعمر " اطلوع انصاره" وحركات التحرر المطالبة بالاستقلال أو بذهاب المستعمر وترك خيار تقرير المصير لأهل الأرض وأخيرا كل الحكومات التي تأسست منذ الاستقلال إلى يومنا هذا.

ومن هنا ظهر الخلاف بين القراء في فهم المقال وتباينت مواقفهم مثلما ألفناه لدى أصحاب الاختصاص الشرعي حول فقه المرحلة التي يعيشها المسلمون اليوم بعد أن انتصر عليهم من أخذوا بناصية العلوم الكونية وتحكموا بها في مصير العالم من خلال تقدمهم في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والأسلحة وفي باقي مناحي الحياة الأخرى.

فعذل وشتم من اقتنع أنني مستسلم ومثبط للهمم ومساند لاستمرار الفساد وداع لحماية المفسدين ناسيا أو متناسيا أنني من استقال يوم 30 ابريل 2011 من منصب مدير الصيد الصناعي رفضا للاتفاقية المعروفة مع شركة بولي هونغ دونغ الصينية وبذلك تجنبت الموقف الذي يواجهه من يتحججون اليوم بتطبيقهم أوامر من لا يعصى له أمرا لاسيما من طرف كل من كان يرجو الجاه بالمنصب و"لارجانه" والدار الفاخرة في تفرغ زينه وما دون المطار الجديد.

أما من تفهم موقفي وناصرني فقد وجد لي العذر في أنني استندت في مطالبتي بتطبيق مبدا "المحسابة والمعاقبة" ابتداء فقط من وصول الرئيس غزواني إلى أن "ما لا يدرك كله لا يترك جله أو كله" وإلى النقاط التالية :

أولا: أساس إنشاء اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في بعض ملفات عشرية الريس السابق عزيز ليس محل إجماع ولو افترضنا جدلا أن المبادرة التي جاءت من بعض أحزاب  المعارضة كانت بإيعاز من الحكومة إذ نصوص البرلمان يعتبرها بعض المتخصصين غير صريحة بما فيه الكفاية في هذا الموضوع؛

ثانيا: تعاب اللجنة بماضي بعض أفرادها وبعدم حياد آخرين؛
ثالثا: يتخوف المراقبون من احتمال عدم توافق كل أعضاء اللجنة على محتوى التقرير المنتظر والامتناع عن توقيعه، من جهة ومن خطر تفكك الأغلبية الحاكمة في حال طرح التقرير النهائي للتصويت في جلسة عامة للبرلمان، وذلك من جهة أخرى؛

رابعا: توسيع صلاحيات اللجنة باستمرار قد لا يسمح لها باكتمال عملها في الأجل المحدد وربما يضعها في مأزق آخر يتمثل في اكتشافها أن كل من تولى مسؤولية كبيرة من 2009 إلى نهاية يوليو 2019 مصاب بكورونا الفساد المتجدد؛

خامسا: مراجعة بعض اتفاقيات الاستثمار مع الأجانب خارج الإجراءات المعهودة ولأسباب وجيهة قد تكون نتائجها أكثر سلبية على الدولة حاضرا ومستقبلا؛ أن تصبح مراجعة الاتفاقيات كلما تغير الحكم تقليدا أمر ضار لاسيما إذا كان السبب استفادة نافذ في نظام سابق أو دفع عملات لوسطاء وراءهم متنفذون؛

والأهم من هذا كله أن لا أحد يمكنه التكهن بمصير تقرير اللجنة البرلمانية الذي يعتبره كثيرون حكما قضائيا لا يقبل الاستئناف أعني سيحال إثر صدوره المدانون إلى السجن مباشرة ليلقوا مصيرهم بين أسواره بعد أن يردوا للشعب ما سرقوه ويعوضوه عما ألحقوا به من دمار موروث. إذن أدعوكم عبر هذا المقال والذي قبله أن تعدوا مواقفكم من موضوع محاربة الفساد عموما وتستعدوا لردود الفعل المحتملة بشأن تقرير اللجنة البرلمانية من طرف الدولة والأحزاب السياسية والشعب والجهات الخارجية.

ويا سائلا عني ـ أنا الذي ساهمت يوما في محاربة الفساد باستقالة واعتبرت مدافعا عن أهله في مقالة ـ فاعلم أن موقفي يتلخص في معاملة زبناء اللجنة البرلمانية كمتهمين لا كمجرمين وفي النزاهة والإنصاف في إعداد تقريرها ومطالبتي بأن تقتصر معاقبة من تثبت إدانتهم على نشر أسمائهم وصفاتهم وإبعادهم عن تولي شؤون الدولة والمواطنين باعتبار ذلك أضعف الإيمان.

وبالمناسبة أذكر المفرطين في التفاؤل بشأن نتائج أعمال لجنتنا البرلمانية الموقرة بحقيقة مرة  "أحب من أحب وكره من كره أي رئيس وصل إلى سدة الحكم عبر التناوب السلمي على السلطة ولو بمائة في المائة من أصوات الشعب سوف لم يختلف عن سلفه إلا من حيث شكل الحكم وإستراتيجية تمريره".

وتذكروا معي من فضلكم واستحضروا الرئيس الذي رفع عصاه عاليا واعتمد واقعيا الزجر بتوفير الجزرة وذاك القوي الذي لم  تعص أوامره الرامية إلى بناء موريتانيا جديدة لا فقر ولا فساد ولا مفسدين فيها وأبطالها طبقة سياسية جديدة وهذا الهين اللين الذي يأمر بالمعروف ويحاول فعله ويكره المنكر وقد لا يستطيع تغييره.

   

1. يونيو 2020 - 23:18

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا