إن عدم وضع سياسة وطنية بيئية سريعة وشاملة تعالج التغيرات المناخية وتأثيرها المدمر على البيئة التي أصبحت عاجزة عن استيعاب حاجات مئات ألوف السكان وملايين قطعان المواشي أغنام أبقار أيبال حمير خيول أصبح غير ممكن استمرارها
إن سكان الجنوب من لبراكن وغورغل وغيدي ماغه ولعصابة و الحوضين هؤلاء جميعا. أصبح الوضع فيهم ينذر بكارثة حقيقية إذا لم ننتبه ونبدأ عملا ضخما وسريعا لوقف التدهور الذي تتعرض له البيئة في كل هذه المناطق أولا ثم وضع خطط بعيدة ومتوسطة وقريبة المدى لعلاج الأضرار وبدء إعادة تأهيل البيئة ثانيا . فإذا لم نسرع بالتدخل فلن تبقى الأمور قابلة للعلاج إلى ما شاء الله .
إن تدمير البيئة وإفناء وحوشها وطيورها والضغط المستمر و المتواصل على غطائها النباتي قد استمر ما يقرب من القرن
لقد ادعى المستعمر اهتمامه بالبيئة مذ دخوله للبلد في بداية القرن العشرين لكنه جسد من عدم الإخلاص والتغاضي الصريح عن تقتيل الثروة الحيوانية غير المد جنة من نعام وظباء وغزلان ومهى و أسود ودببة وذئاب وعينات أخرى كثيرة ومن أنواع الطيور المستوطنة من الدجاج البري الذي كانت أعداده تفوق التصور مع طيور الدرج والقطي و الحباري وصنوف كثيرة أخرى كما استمر تدمير الغطاء النباتي الذي كان يتشكل من تنوع بيولوجي رائع يضم ألاف أصناف الأشجار والأعشاب و الحشائش التي كانت تنتشر في طول البلاد وعرضها لكل جزء من الوطن أشكال من النباتات تميزه وأشكال يشترك فيها مع باقي الوطن
فلم تكن سياسة الحماية التي ادعتها القوى الاستعمارية ذات تأثير أو جدوى في حماية الطبيعة التي سموها بها فقد كانوا يسمون جهازا أنشؤوه "مصالح حماية الطبيعة" واستمرت المذبحة في الحياة البرية والطيور واستمر تدمير الغطاء النباتي من أشجار وأعشاب وحشائش بلا توقف و لقد أخذت البلاد استقلالها والبيئة في تضعضع والحياة البرية في وضع مزر بالنسبة لما كان عليه الحال في أوائل القرن ولقد شكل الاستقلال وما رافقه واستمر بعده من كثرة التقري والعزوف عن الترحال مأساة حقيقية على البيئة والغطاء النباتي فلقد تم تدمير بلا هوادة الأعشاب والحشائش التي استخدمت في الأعرشة والأكواخ في القرى التي بدأت تنتشر في طول البلاد وعرضها وتم تدمير الأشجار لاستخدامها في البناء بكل تنوعاته وكعلف للحيوانات وكفحم للطبخ لقد شكل التقري مأساة حقيقية للبيئة حيث أصبحت كل قرية يحيط بها التصحر وتنتشر في بقعة خالية من النبات. وكانت زيادة امتلاك المواطنين للبنادق سواء الخاصة بالصيد أو التي للقتال وسيلة ضاعفت العمل لإبادة الحيوانات البرية والطيور وازدادت وتيرة عملية الإبادة تتوسع مع التوسع في امتلاك البنادق.
إن ما جرى بعد الاستقلال من تدمير للبيئة شجرها و أحيائها جسد تصرف مجتمع جاهل تحكمه حكومات أكثر جهلا وأقل مسؤولية.
وإن ظهور الجفاف في السبعينات كان بمثابة رصاصة الموت لبيئة منهكة في غاية الإنهاك ومدمرة غاية التدمير .لكن ما وصلت إليه البيئة من التدمير وتأثير الجفاف لم يزد إنساننا العجيب والغريب إلا إيغالا في العبث بالقليل المتبقي من الغطاء النباتي ومن بقايا الحياة البرية حتى أصبحنا اليوم في وضع نتحسس فيه أنفاس الكارثة عندما تنتهي إمكانية تربية الحيوانات التي تزود وطننا بحاجاته من البروتينات و الألبان ويعيش عليها عدد كبير من مواطنينا الذين إذا نفقت مواشيهم سيضيفون إلى جيش فقرائنا ما لا يمكن للبلد تحمله.إن ثروتنا الحيوانية كلها نعتمد في بقائها واستمرارها إلى الدول المجاورة و بالخصوص إلى جمهورية مالي. مذ ثلاثين سنة عندما أصبحت بيئتنا غير قادرة على استيعاب قطعان ماشيتنا وأصبحنا تحت رحمة الظروف وتقلب الأحوال في الدول المجاورة فإذا كانت آمنة و مستقرة فيها ونعمة وإذا كانت غير ذلك فليس أمامنا إلا الاعتماد على علف ملايين الرؤوس التي كثيرا ما كان الماء الكافي لسقيها أيضا غير متوفر .إن واقع البيئة أصبح يتطلب وعيا وعملا يجنبنا مخاطر أصبحت على الأبواب وخلق ظروف تمكن من وقف تدهور البيئة وإيجاد ظروف تمكن من استمرار نشاطات تربية المواشي والعيش بالأسلوب القديم قبل أن نستطيع تغيير أسلوب ونمط الأسلوب القديم لتربية المواشي. إن الأسلوب الذي كان يسود قد أصبح مستحيلا استمراره.
لقد كانت السهول الخصبة الواسعة والمتنوعة قادرة وبصعوبة على استيعاب ملايين الرؤوس من أنواع الحيوانات وقد كان عاملي الاستغلال غير المرشد للطبيعة وفترات الجفاف المستمر مذ عقود مدمرا وعجل ذلك من تسارع عجز البيئة عن استيعاب الأعداد المتزايدة للمواشي لأن النشاط الرئيسي للسكان هو تنمية الحيوانات وليس هناك بدائل لهذا النشاط ولقد كان قبول السلطات المالية استغلال أراضيها من طرف عشرات آلاف المنمين مساعدا لنا في تأجيل حلول الكارثة التي تنتظرها ساكنة الجنوب كله والشرق الذين لا يجدون في وطنهم مكانا يستوعب مواشيهم ولا يجدون نشاطا آخر يشكل بديلا يعتمدون عليه في معاشهم ولقد طرأت على جمهورية مالي تغيرات تعجل بإنهاء هذه الفسحة.
أولا لقد كان تغير الحالة الأمنية لجمهورية مالي عاملا مهددا بوقف هذه الفسحة
وثانيا كان تأثير الاستغلال غير الرشيد للأراضي المالية من طرف منمينا كان له تأثير سلبي أثر على قدرة الأراضي المالية على استيعاب مزيد من المواشي.
إن الذي يجعل الوضع في الجنوب والشرق مقلق جدا هو أنه لا بديل لسكان تلك المناطق عن تربية المواشي كنشاط رئيسي وعند تعرض هذا النشاط لتدهور مفاجئ الشيء الذي لا بد منه إذا لم تطرأ تغيرات فوق العادة فإنه سيخلق وضعا بالغ الخطورة. الأمر الذي علينا بذل الممكن لتجنبه لأنه حقيقة في غاية الخطورة ! نتوكل على كرم الله وفضله ونسأله اللطف فيما تجري به المقادير.