عند ما يُعَشِّشُ الفَسادُ في الأُمَة
قال أحدُ الفلاسفة :لقد أفسدَ الموتُ الحياةَ.
قد لا تبدو الجملةُ للوهلة الأولى عميقة الدّلالةِ لكنها من بعد التحليل تكشفُ عن ارتباطٍ وثيقٍ بين ثالوثِ الفسادِ والموتِ والحياةِ.
فلئن كان الاثنان (الفساد –الموت)مرتبطين بما لا يهوي الناسُ فطرةً فإن الحياة على النقيضِ مكتوبٌ على المرْءِ التعلَق بها .
كلَ حيٍّ يناضلُ من أجلِ البقاء من خلال الابتعاد عن مكامن الضّرر والمرضِ ونحوه ومن واجب الأمّةِ-وهي أسمى- أيضا الاجتهاد والتّوق لبلوغ المراتب العليا وأن تظل حيّة موجودة عصية على الانقراضَ .
وتأسيسا على الأمل المعقودِ على الفترة الحالية ولأن الجمهورية إسلاميةٌ فالمتوقعُ الآن من القائمين على شؤونها القطيعةُ مع كلّ مظهرٍ تشم منه رائحة فسادٍ صونا للمصلحة العامة وأخذا بالدّين.
أين نحن من هذا؟
وقبل البحْثِ عن جوابٍ للسّؤال الوجيه نذكّر بميلِ البعضِ إلى إدْخالِ الفلسفة في كلَ القضايا فالفسادُ عندهم مفهومٌ فلسفيٌ أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع وما ذلك منهم إلا للإمعان في تتفيه كلّ مقصدٍ نبيلٍ وحتى يتعوَدَ الضميرُ الجمْعي للأمَة على اعتبارِ الفساد ظاهرة طبيعية لا تستدعى حتى ردّة الفعلِ.
الأمّة اليوم تعيشُ مرارة أمريْنِ :فسادٍ يضربُ في كلِّ قطاعٍ وتيهٍ في كلّ اتّجاهٍ بسبب ما ارتكبت الأيادي الآثمة من فسادٍ.
أكادُ أجزمُ أن الفسادَ أُريدَ له أن يُصبحَ مؤسسةً مكتملةَ الأعمدة تسيطرُ على جلَ المشاريعِ من خلال الاستفادة من صفقات الدّولة التي خبَرَ هؤلاءِ منطقها جيدا.
والمحيّرُ في الأمر لدي كثير من النّاسِ هو شعور هذه الأمّة (أمّة الفساد )بالأمْنِ والأمان واستمرار وزنها في الملفات ذات الصلة بالمنافع العامة, تحوز المناقصاتِ من لدن كل الهيئات اعتمادا على موروث العلاقة بها في الماضي.
ألهم حصانة أم ما ذا ؟
وفى مقابل الأموال العامة المرصودة في البنوك ,فى الدّاخل وفى الخارج والعيش الهنيء يكافح الشعبُ المسكينُ لأجل العيش المتوسّطِ مشاهدا أمواله :قصورا وعقارات بحوزة موظفين لا تسمح رواتبهم بهذا الثري .
يجمع المواطنون على أن الفسادَ لم يعشّشْ فقط بلْ باضَ وَفَرَخَ أيضا وتكاثر بما يضمنُ تمدّده في كلّ اتّجاه به أموالٌ عموميةٌ.
وأما الصفقات بحسب معرفة المهتمين بها فتتمّ بالمنْحِ مقابل الانتفاعِ وبالجاه السَياسي والوظيفي ونحوهما ويدللون عليه بالحال المادَي للقيَمين عليها حيثُ تعدّهم من البورجوازيين إن كانت اللفظة لا تزالُ حيّةً.
من هنا تكمن أهمية قيام هيئةٍ للنزاهة تعمَل على الملاحقة الإجرائية من خلال النظر في الجرائم الاقتصادية وذلك للمساعدة في علاجِ هذه الظاهرة المقيتة.
وبدخول المناخِ الصّحي على الخطّ تتضاعف الضيقاتُ على الأمّةِ الجريحة والمعطوبة عن عمقٍ بسبب فعل المفسدين .
وسيكون من المصلحة العليا ومن الرّشْدِ أيضا -في وقت متميّز-أن يبادرَ أهل الشأن العام وبسرعةٍ عاجلة(إن أمكن نعتُ السّرعةِ بالعجلةِ) إلى ضبط الأمرِ والبدءِ بمعالجة آثاره سبيلا إلى تحقيق الأدنى من ما يسمّيه أهلُ الاختصاصِ :التنمية المستدامة.
وقد قيل قديما في مجال مكافحةِ الفساد أن : الثائرَ الحقّ هو من يثورُ لهدمِ الفَسادِ ,ثم يَهْدأ لبناءِ الْأمْجادِ.
و قال محمد الغزالي:
إن كان تغييرُ المكروهِ بمقدوركَ فالصّبرُ عليه بلادةٌ والرضي به حمْق.
وقال الفيلسوف كوفوشيوس :
إذا صلح القائدُ فمن تكون له الجرأة على الفساد؟
ولأن الأمّة اليوم أكثر من أي وقت مضي تعاني فسادا في الأخلاقِ من عدوى الفساد العام وتعيش أزمة فعلية فإنها من بعد الله تعوّل على تعهداتِ رئيس الجمهورية التي عليها تمت تزكيته في الشوط الأوّل.
وإذ أدركُ أن ما قدّمتُ مُدْرَكٌ من الجميعِ ’آملُ أن أكونَ به قد أدْخَلتُ العصي في الوجعِ ليس بقَصْد الإيلام بلْ كي يصلَ الدّواءُ العيْبَ الدّفينَ فتكون العافيّةُ أسرعَ.
أدام الله عافيته على الجميع ...