فن إدارة الأزمات وامتصاص الصدمات / د.محمد الأمين ولد حمادي

تؤدي الحوادث والكوارث التي تصيب الشعوب والمجتمعات إلى أزمات صادمة، وغالبًا ما تكون معالجة هذه الأزمات والتعامل معها أمر يتطلب اتخاذ قرارات مؤلمة وبذل جهود كبيرة وطرح حلول خلاقة.

 ومن التداعيات المتوقعة عند حدوث الأزمات الصادمة ما قد يلاحظ من ردود الفعل ذات الصبغة العنيفة أو الحادة التي يمكن تلمسها اليوم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. نلاحظ بهذا الخصوص ما ينتاب نفسيات الأفراد من انفعال وتشنج وقابلية للرد المتسرع غير المدروس. وقد يتجلى رد الفعل هذا بنوع من السخرية أحيانا والتنكيت أحيانا أخرى. كل ذلك مرده في الواقع إلى الصدمة التي تنتاب الناس من هول الأزمة وتأثيرها.   لكن ردة الفعل الصادمة هذه قد تأخذ منحى جماعيا بحيث تثير بركان المجتمع وتحرك الجماهير الغاضبة أو المحبَطة. ومن الأهمية بمكان أن نستشعر تسلسل الاحداث ونستبين تطورها على طريقة "الاستشعار عن بعد" (La télédétection) قبل أن تصل إلى درجة الخروج عن السيطرة وهذه الخاصية بالذات هي ما يعرف بفن إدارة الأزمات. القائد الحقيقي هو ذلك الذي ينجح في جس نبض المجتمع والاستجابة لنداءاته وتطلعاته واستباق الأحداث ومعالجة المستجدات بالحلول المناسبة بعيدا عن التسرع والاستفزاز أو استخدام العنف بشكل غير مبرر.

تناقلت وسائل الإعلام العالمية قصة أمريكي يدعى كريس سوانسون Chris Swanson وهو مفوض شرطة يعمل في ولاية ميشيغان Michigan الأمريكية. لقد تمكن هذا الضابط الأمني بذكاء قيادي من امتصاص غضب المحتجين المتظاهرين على إثر مقتل المواطن الأمريكي جورج فلويد  .George Floyd ذلك أنه بكل حكمة وافق على مطالبة المحتجين له أن يشاركهم في مظاهراتهم فوافق دون تردد وتم تصوير الواقعة وحقق المقطع انتشارا واسعا عبر وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة الدولية. لكن كما يقال: كل إناء بالذي فيه يرشح، ذلك أن كريس سوانسون أستاذ لمادة "القيادة" في بعض جامعات الولايات المتحدة إلى جانب عمله كضابط شرطة.

في محيطنا الإفريقي أبدى الرئيس السنغالي قدرا كبيرا من المرونة والبراغماتية  Pragmatismeفي التعامل مع مطالب المواطنين بالتخفيف من وطأة إجراءات الحماية من جائحة كورونا. لم يتردد ماكي صال  Maky Sallفي الاستجابة السريعة لبعض مطالب المتظاهرين. وتمكن بذلك من امتصاص موجة الغضب التي حركت الجماهير.

على النقيض من ذلك نجد قادة مشهورين لكنهم يفتقرون إلى خاصية القدرة على إدارة الأزمات. وقد تناقلت وسائل الإعلام الدولية خبرا مفاده أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعروف بصراحته وجرأته في التعبير عن آراءه هدد باستخدام القوة العسكرية غير المحدودة ضد المتظاهرين، الذين يحتجون بعد مقتل جورج فلويد.George Floyd   لكن من حسن حظ دونالد ترامب أن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر Mark Esper وقف في وجه الرئيس محذرا من استخدام القوة العسكرية لردع المتظاهرين. لقد كان درسا قويا في فنون القيادة والتكيف مع الأزمات أثبت فيه وزير الدفاع قوة شخصيته وقدرته على اتخاذ المواقف المناسبة والمشرفة بوقوفه مع المواطنين المسالمين ودفاعه عن المظلومين.

لكن أروع مثال على الحكمة في إدارة الأزمات نجده في سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقد قال الحق سبحانه: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا). لقد كانت له عليه الصلاة السلام طريقة فريدة في إدارة الأزمات، فقد كان صلى الله عليه وسلم يعمد إلى نزع فتيل الأزمة بشكل جذري قبل استفحالها. لقد اتسم المنهج النبوي في حل الأزمات بتنوع الحلول بحسب طبيعة الأزمة كما فعل قبل النبوة عندما اختلفت قريش حول من يضع الحجرالأسود في محله. وكما فعل عليه الصلاة والسلام لما حدثت أزمة على إثر كلام المنافق ابن سلول لما قال: "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل". وكما فعل في حادثة الإفك لما كاد المسلمون أن يقتتلوا في المسجد.

 لقد كان ديدنه عليه الصلاة والسلام الرفق واللين ووضع حد للأزمات قبل استفحالها بأسلوب غاية في الحكمة والرحمة. ولقد أرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى ما يضمن السلم والسكينة والأمن في المجتمع فقال: "من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا".

معادلة الأمن والصحة والغذاء تعتبر اليوم من أولويات الحكومات في العالم. ولم تكن بلادنا بدعا من تلك الدول. فمنذ تولي السيد محمد ولد الشيخ الغزواني رئاسة الجمهورية استشعر المواطنون الأمل القوي في الرفع من مستوى معيشتهم وفق ما أقره السيد الرئيس من أهداف في برنامجه الانتخابي "تعهداتي".  كما يكاد يجمع المراقبون للشأن العام في بلدنا على أن السلطات العليا في البلد استجابت بشكل سريع وعملي لتداعيات جائحة كورونا. كل ذلك يقوي الأمل في النفوس أن الحكومة قادرة على إدارة هذه الأزمة بحكمة وعقلانية. ولعل ما تم اتخاذه من إجراءات بإنشاء لجنة لإدارة تداعيات الوباء وما أبدت وزارات بعينها من جاهزية وقدرة على استباق الأحداث كما هو حال وزارتي الصحة والداخلية يعطي انطباعا بالقدرة على رفع التحدي ومعالجة مستجدات الأمور بالحكمة والرفق والحزم.

6. يونيو 2020 - 10:43

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا