نَكْبَةُ الوَظيفَةِ العُمُومِيَّةِ العُلْيَا / المختار ولد داهى

يجمع خبراء البلد و شركاؤه على أن الإدارة العمومية هي  اليوم للأسف أحد  أعتى فَرَامِلِ التنمية  فهي  منذ سنوات شبه خاوية من الرجل المناسب فى المكان المناسب و يعود ذلك إلى ما يمكن وصفه "بنَكْبَةِ الوظيفة العمومية العليا "خلال السنوات الأخيرة.

و قد تجلت مظاهر "نكبة" الوظيفة العمومية في "النزيف التقاعدي" النوعي  والمتواتر  للكثير من أولي "الطول العلمي" و "التجربة المزكاةو "الاستهزاء بأهل الكفاءات و أولى الخبرات" و "الإقامة المنزلية الجبرية" للعديد من كبار الموظفين الأكفاء و تغييب المعيارية في التعيينات  و النفخ فى السير الذاتية و تزوير الشهادات إضافة إلي "التسلل الجماعي" لفئة  من " المهاجرين غير الشرعيين"  من القطاع الخاص و " القطاعات غير المصنفة"  و "منظمات المجتمع المدني" إلي عدد غير قليل و  نوعي من الوظائف العليا في البلد.
 
ومن المعلوم أن "الانتساب الشرعي"  "لنادي الوظيفة العمومية العليا" مشروط قانونا باجتياز مسابقات و تصفيات قاسية لا يوفق فيها إلا معلوم الكفاءة و الاستقامة فلا غرو إن كانت مستودعا لخيرة المجتمع و صفوته فهي "الخزان الطبيعي  للقادة و صناع القرار" الذي ينتسب إليه أغلب قادة الرأي و صنعة القرار ببلادنا.
 
هذا و يجب  التنويه إحقاقا للحق و رفعًا لكل لبس و براءة من شبهة"الحمية المهنية الجاهلية"  إلي أن من "المهاجرين غير الشرعيين" إلي الوظيفة العمومية مجموعة  من الأطر شكل انتسابها إلي الوظيفة العمومية رافدا نوعيا و دما نقيا خالصا ساعد في إنعاش المرفق العمومي و علاجه من "أنيميا" الكفاءات و الموارد البشرية الشابة التي أصابته خلال عقود تجميد الاكتتاب المفروض من طرف صندوق النقد الدولي و  البنك الدولي.

و قد تعهد رئيس الجمهورية فى برنامجه الانتخابي بحزمة من الإصلاحات  منها ما اطمأن الرأي العام بتباشيره من خلال رفع المظالم الإدارية ذات الخلفية السياسية و التصالح  غالبا مع المعيارية  فى التعيينات (وزارة الداخلية و الخارجية نموذجا)و منها ما تأخر بفعل الطارئ الوبائي الذى  ألم بالبلد.

و إسهاما فى    تسريع تنفيذ تعهدات رئيس الجمهورية فى مجال إصلاح الإدارة  ابتغاء الحؤول دون تطور نكبة الوظيفة العمومية العليا إلى نكسة فإن المقترحات التالية قد تساهم فى استعادة الوظيفة العمومية لدورها الإيجابي إذ من المفروغ منه أنه لا تنمية  من دون وظيفة عمومية عليا  ناجعة.
 
 أولًا-إنشاء نقابة  خاصة بالمنتسبين إلي الأسلاك الإدارية العليا: تكون مهمة تلك النقابة تجسيد مفهوم " الحّمية المهنية" دفاعا عن المنتسبين و إنصافا لهم و مواساة لمن قد تصيبهم "نوائب مهنية" بفعل الخطإ أو الوقوع في شراك المكر و المؤامرة و كث بر ما هم.

كما يناطُ بالنقابة المنوه عنها واجب تقديم المشورة  و النصيحة و الاستشراف من أجل تحسين أداء المرفق الإداري و فق فهم جديد و متجدد لعلاقة المواطن والموظف العمومي السامي باعتبار الأخير أجيرا و الأول أميرا( المواطن أمير و الموظف أجير)؛
 
 ثانيا-المطالبة بإنشاء "علاوة التأمين علي العِرْضِ المهني": و هي علاوة يجب منحها لكبار الإداريين تتناسب مع  السمو المعنوي للمهام الموكلة إليهم و قابلية التعرض لأخطاء ذات تأثير مادي و معنوي علي سلامة مسارهم المهني و من شأن هذه العلاوة أن تجعل الإداري السامي في منأي من "إغراءات الانحراف المهني" كالرشوة و الاختلاس بما يحفظ للمرفق العمومي و للدولة هيبتهما و سلطانهما؛
 
ثالثًا-استكمال النصوص القانونية و التنظيمية المتعلقة بالوظيفة العمومية العليا :  ذلك أن القانون المتعلق بالنظام الأساسي لموظفي الدولة تم اتخاذه سنة 1993 و لما يتم استكمال النصوص المطبقة له بعد قرابة ربع قرن!!! مما صيره قانونا ولد مشلولا إن لم يكن ولد ميتا "موتا وظيفيا".
فمن المستعجل إذن، استكمال تلك النصوص التطبيقية  و أوكدها  تلك التي ينبغي أن تغلق منافذ التسلل إلي الوظيفة العمومية من خارج طريقة المسابقة التي هي "الطريق الشرعي و الوحيد" الضامن للعدالة و المساواة و انتقاء المرفق العمومي لأحسن الطواقم و المصادر البشرية.
 
رابعًا-تقنين أسبقية المنتسبين إلي الوظيفة العمومية بالمسابقة في التعيين في الوظائف العليا: و يكون ذلك علي سبيل المثال باعتماد معيار ترجيحي في الولوج إلي المناصب العليا في الدولة لصالح الذين انتسبوا إلي الوظيفة العمومية  "غلابا و مسابقة" عبر أبواب المسابقات العلنية  والمفتوحة  مقارنة مع الذين تسللوا إليها "خلسة أو لواذا" عبر منافذ "الغفلة الإدارية" أو "المحسوبية السياسية"؛
 
خامسا-تحديد سقف  10 %  من الوظائف العليا للصلاحيات الممنوحة للسلطات العليا في التعيين في الوظائف السامية من خارج الوظيفة العمومية:
و اقتراحنا في هذا الصدد ان يتم  اتخاذ التعديلات القانونية المناسبة لتحديد سقف  صلاحيات السلطات العليا في تعيين  غير المنتسبين للوظيفة العمومية في المناصب السامية  بحيث لا يتجاوز 10% علي غرار ما هو متواتر عليه بالعديد من دول العالم و تخصص تلك النسبة لضمان استفادة المرفق العمومي السامي من خبرات المتميزين علميا و فنيا  و الناجحين عمليا و ميدانيا من خارج  أسلاك الوظيفة العمومية.

——————————————-
*مقال نشر عام 2015أعدت نشره بشئ من التصرف فى العنوان و المضمون.

9. يونيو 2020 - 8:31

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا