في العام 2007 خرجنا بانتخابات هنأنا عليها العالم آنذاك وتعهد المانحون بتقديم ما يقارب الخمسة مليارات لموريتانيا، وكانت بلادنا غير منهكة بالديون حينها كما هي الحالة اليوم. في تلك الفترة من الزمن تم استدعاء الكفاءات الوطنية وتم تشكيل حكومة من أفضل الحكومات التي شهدتها البلاد في الحقب الأخيرة وهي حكومة الزين ولد زيدان.
كانت تلك فرصة لموريتانيا، فرصة الاستقرار وفرصة استدعاء الكفاءات التي لبت النداء وقبلت الدخول في تسيير أوضاع البلد وكذلك فرصة وجود رئيس رزين يتعامل مع الجميع من منظور يطبعه الهدوء. لكن تلك الفرصة لم تُعمر طويلا حيث التف عليها شخص و قام بتسخير العديد من الأدوات لتنفيذ نواياه وعمل على زعزعة الاستقرار حتى تمكن من الإطاحة برئيس البلاد المنتخب والذي كان يُمثل آنذاك "فرصة" تاريخية لموريتانيا. بعد ذلك ظهر نهج مغاير بل معاكس تماما لما كان عليه الحال إبان فترة الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله.
الآن أيضا، تجد موريتانيا نفسها أمام فرصة أخرى مشابهة مع رجل مُلم كثيرا بشؤون البلد الأمنية ويتصف بالهدوء في تعامله وتعاطيه مع الأمور. لكنْ يُلاحظ مؤخرا أن هناك شيئا منظما يُحاك ضد الرئيس المنتخب محمد ولد الشيخ الغزواني.
إنه لمن المبكر جدا ومن عدم الإنصاف كذلك التحامل الآن على الرجل أو انتقاده أو حتى تقييم أدائه أو الحكم عليه ولم يَمض كثيرٌ من الوقت على توليه مقاليد الحكم. إن هناك حملةً منظمة تستهدفه وتستهدف نهجه، وقد بدأت بالفعل عملها ضد السلطات الأمنية من جيش وشرطة، ثم عمدت بعد ذلك إلى استهداف مصداقية الحكومة من أجل أن يتم تصديق أي شائعة يتم الترويج لها لاحقا. لأنه إذا تم ضرب مصداقية أي حكومة لدى شعبها تُصبح الأرضية مواتية لتصديق الشائعات وتقبلها لدى الرأي العام.
لقد لاحظنا مؤخرا ظهور من يكتب ليهدد ويُحذر من غضب شعبي، ولكنْ غضبٌ شعبي ضد منْ؟
هل ضد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز؟
وإذا كان ضده فكلنا يعلم قول الله تبارك وتعالى: ((وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ)) كما أن الشعب لم يثُر عليه أثناء وجوده في الحكم، بل غادره والفاعلون السياسيون يُطالبونه بالبقاء سواء كانوا نوابا عن الشعب في البرلمان أو غيرهم.
إن الرئيس الحالي مسؤول أمام الشعب الموريتاني منذ يوم توليه الحكم، وليست اللحظة الراهنة هي لحظة تقييم أدائه حيث لم يمكث بعدُ في الحكم سنة واحدة. إنه يُمثل اليوم فرصة أخرى لموريتانيا، وأرى أنه من الواجب علينا أن نُفسح المجال لهذه الفرصة وأن لا نَنجَر وراء أمور قد تُساهم في زعزعة استقرار البلد أو زعزعة الثقة في قيادة البلد الحالية.
إن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لم ينثُر بعدُ كل ما في جعبته، ومعلوم أن الحكومة تتبدل والوزراء قد يُستبدلون، ولكن من ينتقدون نهج الرجل قد استعجلوا كثيرا في اختيار اللحظة المناسبة للقيام بذلك. فلا يُمكن بحال من الأحوال انتقاد مشروع ما زال في الأطوار الأولى لتشكله. إن هناك أمورا يتفق الجميع عليها بخصوص هذا الرئيس، من ضمنها أن الجميع يَأمن بأسه وأنه يحترم الجميع وأنه لم يدخل في صراع مع أي جهةٍ – لا معارضةً ولا حركات. لكنْ توجد للأسف جهات لا أرغب هنا في تسميتها تقوم بتهيئةٍ واضحةٍ لزعزعةِ استقرار البلد، وهو ما قد يُساهم في تضييع هذه الفرصة على موريتانيا.
إنني أهيب هنا بكل من يُساهم في صناعة الرأي العام أن يقف كثيرا ويُحَكم ضميره قبل أن يَصدر منه شيء يمكن أن يُؤدي إلى زعزعة الاستقرار وبث البلبلة حتى لا يتكرر مرة أخرى ما حصل لنا مع الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، لأنه إذا حدث ذلك مجددا –لا قدر الله– ستضيع موريتانيا –لا قدر الله– وتُصبح المسؤولية عندئذ مشتركة بين الجميع.
رغم تماسك و قوة المنظومة الأمنية لبلدنا و التي تجعله عصيا علي محاولة نشر الفوضوي، إلا إن الواجب الوطني في هذه المرحلة المهمة من تاريخنا يُملي على الطبقة المثقفة أن تقف بكل قدراتها الفكرية ضد محاولة تضييع الفرصة مرة أخرى. فلا ينبغي أن تترك الساحة للفسابكة ومُروجي الإشاعات وكل من هب ودب، حتى لا يتم توجيه رأينا العام من قِبل أشخاص ليسوا على المستوى اللائق وقد يصنعون رأيا عاما لا يتماشى مع مصلحة البلد.
فعلى الطبقة المثقفة والواعية أن تقوم بلعب دورها اللازم في توجيه الرأي العام وإنارته وأن تظهر على الساحة وأن تُكثِف أنشطتها في هذا الصدد بحيث تقوم بحملة مضادة يتم فيها بلورة وصياغة خطاب يخدم الاستقرار والمصلحة العامة للوطن.
وفي الأخير، أدعو إدارة التلفزة الوطنية ووزارة الإعلام ومن خلالها الحكومة الموريتانية لإنشاء برامج فكرية عالية المستوى لنقاش مستقبل البلد واستقراره.
عاشت موريتانيا .. آمنة .. مستقرة .. مزدهرة ..
محمد الحافظ ولد محمد فال.