تعتبر مدينة تنبكتو حاضرة العلم والثقافة في الغرب السوداني من العالم الإسلامي، وهي عاصمة إقليم شمال الإمبراطورية المالية التي تأسست مطلع القرن الثالث عشر ميلادي.
وقد تأسست مدينة تنبكتو قبل تأسيس الإمبراطورية على يد مجموعة صنهاجية تعرف ب
« مسوفة» وذلك سنة 494هـ /1100م وهم اللذين كانوا يتولون وظيفة أدلاء الطرق لخبرتهم بمجاهل الصحراء ومسالكها، ونقاط المياه بها،وقد استطاعت هذه المجموعة أن تشارك بدور محسوس في ازدهار التجارة نظرا لابتعادهم عن الحروب التي دارت بين لمتونة وكدالة من أبناء عمومتهم، خلال القرون الهجرية الأولى، وقد ظلت عاصمة الشمال المالي (تنبكتو) مركزا تجاريا هاما نظرا لموقعها الساحلي الاستراتيجي، وتوسطها للطريق الرابط بين « أتوات» بالجزائر مرورا ب « تغازة» و« تاودني» و « ولاتة».
وقد أصبحت هذه المدينة ولاية من إمبراطورية مالي الإسلامية التي تأسست بداية القرن السابع الهجري الثالث عشر ميلادي، وهي الدولة الإسلامية التي قامت في السودان الغربي على أنقاض دولة غانا الوثنية.
وقد كان المؤسس « سيدياتا كيتا» 633 -653هـ/1235-1255م منتزعا مالي من قبائل الصوصو، وتواصل الحكم الإسلامي بمالي إلى أن وصل إلى السلطان القوي «منسا موسى» عام 713هـ - 1312م، وتعتبر مدة حكمه العصر الذهبي لإمبراطورية مالي وخاصة مدينة «تنبكتو» التي أصبحت العاصمة الثقافية والدينية لتلك الإمبراطورية.
ففي عهد السلطان منسا موسى ارتبطت مالي بمدن الشمال الإفريقي، والشرق العربي، وفي مقدمتها المغرب الأقصى وليبيا ومصر، وكانت دروب الصحراء ومنافذها حلقة الوصل بين الجانبين.
فكانت كتب عياض، وزروق، والحسن بن علي، والحطاب، والتاجوري،وغيرها تعج بها مراكز العلم في مالي، وخاصة عاصمة الثقافة تنبكتو، كما امتزجت الثقافة العربية بالثقافة المحلية، والخط العربي بالثقافة الإفريقية، واكتسبت اللغات الإفريقية مثل: الفولانية، والهوسا، والسواحلية الكثير من مفردات اللغة العربية.
وقد شكلت لغة صنهاجة في امتزاج مع لغة « السوننكة» لغة محلية تعرف ب « أزير»، أما لغة التدوين والكتابة والمعاملات التجارية فإنها كانت باللغة العربية، وذلك ما سجله بن بطوطة في رحلته في القرن«14 م» للمنطقة.
ويعتبر جامع تنبكتو من أكبر وأعرق المساجد بمنطقة الغرب السوداني الذي يعتقد أن بدايته كانت مطلع القرن الهجري السادس، إلا أن الملك المالي منساموسى أعاد بنائه ووسعه وبنا صومعته 724هـ بعد عودته من الحج.
أما وبعد أن سقطت الإمبراطورية المالية على يد ملوك سونغاي، فقد تعرضت تنبكتو للغزو على يد ملك سونغاي سني علي الذي توترت علاقته مع أهل تنبكتو، واتهمهم بمناصرة الطوارق عليه وذلك ما بين 869- 898هـ -1465-1492م، فغزاها ونكل بعلمائها الذين فروا إلى ولاتة، وبعد موته سنة 898هـ عادوا إلى حاضرة العلم، بعد أن تولى الأسكيا محمد السلطة ما بين 899 -935هـ - 1493-1530م الذي دشن عهد الأساكي، الذي تألقت فيه الثقافة العربية الإسلامية في المدن الساحلية مثل ولاتة، وتازخت وتنبكتو.
وقد عرفت أيضا هزات عنيفة بعد أن أصبحت سونغاي ولاية تابعة للدولة السعدية، ولم يخضع علماء تنبكتو للسلطان السعدي المنصور الذهبي الذي غزا المدينة في القرن العاشر الهجري، وحمل علمائها مقيدين إلى مدينة مراكش.
وتعتبر أيضا حملة المنصور الذهبي على مدينة تنبكتو من أجل ضمها للولاية السعدية فـــي سنة 1000هــ بقيادة الــقائد محمود قد أثرت علــى الإشعـــاع الثقـــافي و الحضاري لهذه المدينة.
ورغم ذلك لم ينته دور تنبكتو فقد ظلت محافظة على مكانتها طيلة القرن الحادي عشر الهجري، إلا أن القرن الثاني عشر سيعرف تشكل كيان سياسي متمثل فـــي « سيكو» 1124هـ -1712م فخطفت الأضواء والقوة من مدينة نتبكتو؛ فهاجمها الطوارق في معركة « تاغية» وسيطروا عليها سنة 1150هـ - 1737م.
وفي هذه الفترة من تاريخ تنبكتو تدخل الشيخ سيدي المختار الكنتي بوزنه العلمي ومكانته الصوفية في وساطة من أجل إنقاذ مدينة نتبكتو من دمار محقق بعدما حاصرها طوارق « كل تادمكت » وفي هذا الصدد يقول بول مارتي: « فمنعوا دخول وخروج القوافل إليها، وحظروا أي ملاحة نهرية، فظهرت بها المجاعة وأخذ الناس يأكلون الجيفة والكلاب...».
إلا أن تدخل الشيخ الكنتي أنقذ المدينة وأعاد إليها الحياة، إلا أنها فقدت إشعاعها الثقافي الحيوي، وبقيت رمزيتها وما تحتويه من نفائس المخطوطات، ومآثر علمية إسلامية...
هذه رحلة خاطفة عن سيرة حياة مدينة استثنائية، شاءت لها الأقدار هذه الخاصية، كما شاءت لها أيضا أن يعيد لها التاريخ نصه مرة أخرى. فهل من إغاثة أو وساطة لفك الحصار هذه المرة، بوزن صوفي أو أسلوب سياسي؟