عندما أخذت القلم لأكتب هذه السطور تراءت أمامي موجة من الانتقادات وإعصار من الرفض إلا أنني سبق وإن أخذت عهدا على نفسي بالجرأة والصراحة في منهجي الكتابي حتى في الأشياء الأكثر حساسية وإثارة وخاصة في مجتمعنا الموريتاني مثل تعدد الزوجات الذي أرى فيه رأي قد يكون غريبا عند البعض..
وخلال عرضي لهذا الموضوع سأبين لماذا هو عندنا محذور وحساس ومثير، ولما ذا حرًمنا ما أحله الله ونحن نصف أنفسنا بأننا مجتمع (متدين) وقبل الدخول في العرض أود أن أنبه معشر الرجال أنني لم أكتب هذا الرأي لسواد أعينهم ولا توددا لهم ولكن لمصلحة النساء فقط.
فأنا لا ألام في قضايا المرأة والدفاع عنها وتبني لقضيتها حتى النخاع وهذا ما جعلني على الأقل "ناصح أمين" بما أننا أصبحنا مجتمعا منفتحا وأصبحت هجرة الرجال وزواجهم خارج الوطن أمر واقع وهذا لا شك ينعكس سلبا على نسبة الزواج لدى النساء اللواتي ضحية للجهل والفقر وانعدام قبول المجتمع لهن ما يقبل للرجل من زواج خارج البلد وأين ومتى شاء وهذا ما يجعلنا نشفق على النساء الموريتانيات من مصير مجهول قد لا تحمد عقباه.
كل هذا يجعلنا نقبل بتعدد الزوجات كحل لمعضل العنوسة وارتفاع نسبة النساء على الرجال فنحن نتخذه علاجا بطريقة عادلة لا ظلم فيها ولا حيف، فالمرأة المتزوجة برجل تتقاسمه معها أخرى أو أخريات مطمئنة بحياة زوجية وأطفال أحسن من تلك التي تعيش عنوسة سرمدية يحاصرها القلق والوحدة والارتباطات غير الشرعية......
وبما أن الخطاب القرآني العادل لم يأت بالتعدد في صيغة مخاطبة للنساء لكي لا يتخذ أي صبغة إلزامية للمرأة وإنما أحله للرجال وخاطبهم بأقصى مستويات الحث على العدل وبما أن القرآن "يهدي للتي هي أقوم" هذا يعني أننا قد نحتاجه أحيانا كما هو الوقت الراهن في نظري. ورغم كون مدرسة المنار التفسيرية التي يتزعمها محمد عبده ورشيد رضا كان لهما رأي في التعدد حيث اعتبرا أن قوله تعالى: " { فإن خفتم ألا تعدلوا } ..." وقوله" ولن تعدلوا ولو حرصتم" يعني استحالة العدالة التي هي شرط أساسي للتعدد وبذلك يستحيل التعدد في نظرهما، إلا أن جمهور العلماء أجمع على أن العدالة التي وصفها الله بأنها مستحيلة المقصود بها الميل العاطفي لأن الرسول صلي الله عليه وسلم عندما يوزع الطعام والحوائج بعدالة على زوجاته يقول: " اللهم هذا ما أملك فلا توا خذني فيما لا أملك" وهو حبه وميله العاطفي لعائشة رضي الله عنها، وهنا تكمن استحالة العدالة التي هي الميل العاطفي وليس السلوك والمعاملة الزوجية المتمثلة في المودة والاحترام والحق بالمعروف ............
عندما يكون الرجل يمتلك مقومات التعدد من مستوى ديني وخلقي ومادي فلما لا نقبل له أن يتزوج بأكثر من واحدة لكي نقضي على سيل من العوانس ونحقق العدالة والتوازن بذلك ونتصدى لظاهرة الزواج السري التي أصبحت من أشرس الظواهر الاجتماعية وأكثرها فتكا بالدين والعرض... فالأبناء الذين يولدون في ظروف الزواج السري يصرون نصف لقطاء منبوذون اجتماعيا" مشردون بلا وطن" ذنبهم أنهم أخرجوا السرية للعلم، تلك السرية التي أراد لها الشريكان أن تظل خلسة بعيدا عن العلن الذي هو ركن أساسي من أركان النكاح عند المالكية، فكان مجيئهم خطيئة يرفضها عرف الزواج السري.
إن عدم قبول المجتمع الموريتاني – في أغلبه- للتعدد والذي أصبح يقبل رويدا رويدا بالسرية كبديل - ربما – ناتج عن البداوة فالرجل المثقل بالترحال وعدم الاستقرار يصعب عليه حمل زوجتين أو أكثر مع أمتعتهما، فبعض من مجتمعنا الموريتاني الأكثر استقرار مثل سكان الضفة المرتبطون بالزراعة التي تفرض عليهم نوعا من الاستقرار قد عرفوا التعدد بطريقة جد عادية، هذا من جهة، وقد يكون للسلالة الصنهاجية دخل في التصدي للتعدد، لأن المرأة الصنهاجية كانت تمتاز بشيء من القوة والمكانة لأنها سليلة الحميرية التي عبدت كآلهة وعددت هي الأزواج فكان لها ذلك بمثابة حصانة عن التعدد، فهي التي تستقبل الطلاق بالزغاريد و دق الطبول – أحيانا – وتشترط في أولى جولات عقد القران" لا سابقة ولا لاحقة" هذه أشياء في نظري بعد دراسة لسبب بعدنا عن قبول التعدد قد تكون مبررة، إلا أن الحالة اليوم تغيرت وأصبحنا مجتمعا مستقرا وأصبح عدد النساء يفوق عدد الرجال فازدادت الحاجة للتعدد وسهلت العدالة فيه كذلك انتشار العنوسة في صفوف النساء، فالتعدد مثل الثورة أولاها صرخة في صمت الاستسلام ولتلك الصرخة ضحايا وبعد ذلك تنجح الثورة ونقبل بالتعدد بطريقة هادئة وعادلة ونكسر صمت العنوسة لكي لا تظل سرمدية .....