لقد تابعت باهتمام كبير برنامج «مقاربات إسلامية» في التلفزة الوطنية، خلال حلقة مباشرة ليلة الجمعة الماضية، وكان مصدر الاهتمام راجع لسببين إثنين:
أولهما: أنه لأول مرة يستضيف هذا البرنامج الهام سيدة، فبما أنه منبر ديني فلذلك ظل للرجال فقط! لأن الذهنية الجمعية تختزن أن الإفتاء وتحليل المسائل الدينية...من اختصاص الرجال،
فالرجل باتساع علمه ودهائه، واكتماله هو المؤهل لذلك! وهذه مسائل من المسلمات في عقلية المسلمين اليوم، تلك العقلية المثقلة بإرث من التخلف والجمود...
ثانيهما: أن ضيفي الحلقة من أعز الزملاء والأصدقاء وهما: حواء بنت ميلود، ود. سيدي محمد ولد الجيد، وهاتان الشخصيتان لاشك أنها وجوه هامة من الساحة الثقافية والفكرية للبلد.
وانطلاقا من هذا فليسمحا لي الزميلان بإبداء بعض الملاحظات، والتي قد « لا تفسد للود قضية» لأنه « يبقى الود ما بقي العتاب».
فمما لاشك فيه أن لطبيعة البرنامج التركيبية دور في جعل الزميلين لم يستطيعا مواصلة حوار هادف وتقديم أفكار جديدة، وهذا ما يجعلني أتوقف قليلا مع البرنامج، وليسامحني أخي وأستاذي مقدم البرنامج محمد الأمين ولد مني في إثارة إشكال يتعلق بعنوان البرنامج « مقاربات إسلامية» فالعنوان لم يستصغ لي، ولم أستطيع بالتحديد فهم رسالته، وما المقصود ب « مقاربات»؟ وربما يكون ذلك راجع لقصور في فهمي كمشاهدة بسيطة، مدمنة على متابعة كلما هو وطني كبرامج التلفزة الوطنية، لكنني من نوع خاص من البسطاء.
فالزميلة حواء بنت ميلود بأسلوبها الهادئ وأفكارها الواضحة قننت ارتباط المرأة بالبيت، واستدلت على ذلك «بأن سبب ارتفاع الجريمة بالولايات المتحدة الأمريكية راجع لكثرة خروج نسائهن من البيوت» وقد أستغرب جدا مصدر الزميلة حواء في ما ذهبت إليه!
فالمرأة الأمريكية بخروجها ساهمت في بناء مجتمع يسود فيه العدل والحرية وشتى أنواع الرقي الحضاري...
بينما ظلت السيدة العربية المسلمة قابعة في منزلها، فأنجبت أجيالا هجينة من البشر، عقلياتهم مترعة بالتخلف والفقر والظلم، وشتى أنواع الضياع...
كما أن الزميلة أيضا جعلت مسألة «القوامة» سيادة للرجل مقابل إنجاب المرأة، وجعله هو صاحب الأمر والنهي؛ لأنه أكثر قدرة على التحكم في العلاقة الزوجية، وبهذا فهو صاحب الحكمة والكمال، وانطلاقا من هذا نال السيادة ودرجة التفضيل...!
وبهذه الأفكار فإن الزميلة حواء لم تخرج عن نسق الخطاب التقليدي، الذي يرتاح له الجميع، والذي تأسس منذ أكثر من ألف سنة إبان مرحلة التدوين، وتكريس السيادة الذكورية بمنطق ديني صارم.
فلو أنها عالجت تلك المسائل باجتهادات العلماء المعاصرين، -عندما أتيحت لها الفرصة- مثل: عبد الله ولد بيه ومحمد بلتاجي ومحمد الغزالي وآخرون...
فإنها ستضيف جديدا يعيد للمرأة المسلمة شيئا من إنسانيتها المسلوبة منذ التحول الذي عرفه المجتمع الإسلامي، بعد انتهاء خير قرون هذه الأمة.
وبذلك فإنها طبعا لن ترض المشاهدين، لكن عدم رضائهم هو الإصلاح بعينه، الذي سيؤدي إلى تغيير العقليات الجامدة، بفعل غياب أفكار مشاكسة للنسق العام.
أما الزميل د. سيدي محمد ولد الجيد فقد استخدم قاموسا من المصطلحات السوسيولوجية، ومع ذلك ظل الحوار يدور في حلقة مفرغة، لم يلامس واقعا ولم يثير إشكالا ولم يقدم جديدا.
وقد وجد الزميلان مبارزة استعراضية حول المسلسلات المدبلجة، ويستغرب المشاهد العلاقة بين موضوع حلقة دينية مخصصة للمرأة بالمسلسلات المدبلجة! فالمسلسلات المدبلجة قد حمَّلاها أكثر مما تتحمّل، فهي مسلسلات للتسلية ساهمت في نشر لغة عربية رشيقة، ومع ذلك فهي ليست مصدر شقائنا ولا تخلفنا، فالمسألة -في نظري- أعمق وأكثر تجذرا من أن تكون مسلسلات درامية ظهرت أواخر التسعينات، سببا في مصاب جلل مثل الذي نحن نرزح تحته.
فلو أن البرنامج اتخذ منهجية واضحة، ومعالجة جادة لأسباب تخلف المرأة، وما هو موقف الخطاب الرباني من مشاركتها في إصلاح الأمم وتسييرها؟ وما ينبغي فعله تحت إكراهات الحاضر ومستحدثات الواقع؟ وهل نعتمد رأي العلامة عبد الله ولد بيه الذي قال في تصريح سابق ما معناه: « أنه ليس من العدل أن نقيّد المرأة المعاصرة باجتهادات فقهية لعلماء سابقين، وفي زمان مختلف عن زماننا» ؟ وماذا علينا فعله من المنظور الشرعي المتجدد؟
وانطلاقا من هذا كان من اللازم حضور أحد علماء الرأي المستنير مثل ولد بيه أو محمد فاضل ولد محمد الأمين أو شخصية دينية ترضي الجمهور، وتقنع النخبة بأفكارها المجددة، ومن جهة ثانية يكون الحضور النسوي أكثر جرأة في إثارة الإشكال، والتركيز على الداء، بعيدا عن محاباة المشاهد ومحاولة إرضائه.
وبهذا يكون البرنامج قد أضاف جديدا وناقش إشكالا، وتوصل إلى نتائج، وهذا هو دور الإعلام الناجح، ورسالته في تغيير العقول المتحجرة وانتشالها من زنزانة نفايات الثقافة المتخلفة...