تعتبر مزرعة امبورية باكورة المنشأت المائية الزراعية في موريتانيا على الاطلاق وخصوصا المستغلة لزراعة الارز ،فهي أولى المزارع النموذجية المزودة بمحطة للضخ تؤمن الري والصرف للمزروعات عبر قنوات للري وأخرى للصرف ،وكانت هذه المزرعة مثالا للتعاون الوثيق بين موريتانيا وجمهورية الصين الشعبية نهاية العقد السابع من القرن الماضي.وظل الفنيون الصينيون يشرفون عليها ثم تعاقبت عليها مجموعة من رجال الأعمال والتعاونيات بعقود إيجار مع الدولة وقد باءت كلها بالفشلحتى تم التعاقد مع الهيئة العربية للانماء والاستثمار الزراعيAAAID ،هذه الهيئة العريقة التي تمتلك الخبرة والأليات وكانت ناجحة في مجال الخدمات الزراعية،واستمرت من 2006 وحتى 2010م وبالرغم من مؤهلاتها البشرية والخدماتية فلم تصل انتاج معدل 4طن للهكتار،ومرد ذلك لأسباب من أهمها اجتياح حشيشة الارز البري أنجيم للجزء القديم للمزرعة ، وفي ظروف غامضة نفذت الهيئة العربية للانماء أوامر من الحكومة الموريتانية بإخلاء المزرعة.ليتم تسليمها لمؤسسة اسبانية لم تعمر طويلا (حملة واحدة) رغم الامكانيات التي تستغلها من طائرات وتقنيات متطورة .
وفي فبراير 2011م قررت الحكومة إطلاق برنامج طموح يهدف ليس فقط الى التخفيف من وطئة البطالة وانما الى المساهمة في الوصول للإكتفاء الذاتي من الأرز وذلك بدمج حملة الشهادات من مهندسين زراعيين وتخصصات أخرى مختلفة، وفي ثانوية بوقى تلقى المستفيدون دورة تكوينية بعدها مباشرة في نهاية شهر يوليو 2011م تم توزيع القطع الزراعية على المستفيدين الذين كان دمجهم إضافة نوعية للقطاع الزراعي وكانو من أبناء هذا الوطن البررة الجادين في بنائه وقد ضحوا بالكثير مما كانوا يحلمون به من دعة ورفاه ومناصب عالية في المكاتب المكيفة ! تركوا ذالك كله من أجل أنتاج غذاء الأمة وتأمينه وترشيد العملة الصعبة المخصصة لاستيراد الغذاء.واستلموا المزارع بعيوبها المختلفة فبعض المساحات في التوسعة سيئ الإستصلاح وبعض المصارف الثانوية لا يوجد اتصال بينها وبين شبكة مصارف امبورية،وبعض القطع غير مزودة بمصارف،وبعض القطع لايصلها ماء الري وأخرى يصلها بصعوبة.وجميع امبورية القديمة موبوءة بحشيشة انجيم ،وبالرغم من كل ذالك فقد كانت تجربة رائدة وناجحة (انتاج اكثر من 5طنا للهكتار)، ولم تكن لتتأتى تلك النتائج لولا توفير قرض زراعي ولو أنه لا يأخذ في الحسبان الأضرار والمخاطر التي يتعرض لها الانتاج كما انه يسدد بكامله مباشرة عند انتهاء الحملة ،وتأسيسا على هذا النجاح ،اطلقت الحكومة النسخة الثانية من هذا البرنامج وذلك بادخال 60 مستفيدا خصصت لهم توسعة 600هكتارا،واستلموها ولم تكن بأحسن من سابقتها ،ولقد أظهر المستفيدون الجدد حماسا منقطع النظير فأبهرت هذه الطبقة المزارعة الجديدة كل المزارعين والتجار والاطر ليس في الولاية فحسب بل في عموم التراب الوطني ،فقد غير هؤلاء المزارعون الجدد الصورة النمطية عن المزارع وعن المردودية وعن الجودة،وهو ما حدا بالكثير من التجار والمستثمرين خوض غمار التجربة واقنعهم بالدخول في هذا النشاط المرتفع التكاليف والمتسم بالمخاطرة العالية .
لقد تعرضت المزرعة ومنذو عامها الاول للكثير من المشاكل المتعلقة بالاستصلاح والمدخلات الزراعية في نوعيتها وموعد توفرها ،وقد نبه المستفيدون المعنيين عن تلك العوائق في وقتها ،إلا أن عدم التعاطي الايجابي مع تلك الانذارات أفضى الى تحول المزرعة إلى مساحات مهجورة وأخرى موبوءة بالحشائش ،وتفاقم الدين وهجرت المزرعة من قبل حملة الشهادات الذين طرقوا كل الأبواب للتحسيس بما ستؤول إليه المزرعة .
أما اليوم وفد تساوى الجميع مدين وغير مدين ،ولم يعد بإلامكان العمل في المزرعة بفعل تعطيلها من طرف واحد بحجة تنفيذ برنامج لتوسيع محطة الضخ واستصلاح 900 هكتار للتعاونيات الزراعية ،في أجل عشرة أشهر ،انقضت بل ودخلت في العام الثاني مما زاد مشاكل حملة الشهادات الذين وجدوا أنفسهم من جديد في مواجهة البطالة .
تفاقمت أزمة هؤلاء المزارعين بفعل جائحة كورونا التي تهز العالم ووقفت الدول العظمى بعددها وعدتها وتطورها التقني ونظمها الصحية عاجزة عن كبح جماحها، فتوقفت الانشطة الاقتصاية والتجارة البينية والاساطيل البحرية والنقل البري والجوي ،واصبحت الحوزة الترابية لكل وطن سجن لاهله وقد تأثرت موريتانيا ككل الشعوب بانعكاسات هذا الوباء ،وخاصة الطبقات الفقيرة والهشة ومنهم حملة الشاهادات المعطللين ،هذه الطبقة التي كانت تؤمن 370 فرصة عمل دائمة ،و740 فرصة مؤقتة ( كل مستفيد يشغل عاملين دائمين وفي الشهرين الأخيرين من الحملة يشغل أربعة عمال لمكافحة الطيور )،وكان يساهمون بانتاج 18500 طنا من الارز الخام سنويا،950 طنا منها زكاة توجه مباشرة للفقراء ،
إن هذه الطبقة الفقيرة والمعطلة والمقدرة ب185 عائلا على أسرة لا يقل معدلها عن 5 أشخاص في وضعية لا تحسد عليها فهي لا تملك إلا قطعها الزراعية في امبورية ،فهي الوظيفة الوحيدة المتاحة لها حيث تجاوز أغلبها سن الإكتتاب في الوظيفة العمومية ،ولا تملك أي دخل يؤمن قوتها اليومي ولم يعد بامكانها زراعة أو تأجير أراضيها لتسديد ديون القرض الزراعي فهي إذا بين نارين ظروف كورونا ،مثل الغلق بين المدن والتزام البقاء في البيوت وتعطيل مزارعها .
وبالرغم من كل تلك العوائق وبحكم معرفتي الدقيقة لهذه المجموعة فإنهم اليوم أكثر حرصا واستعدادا من ذي قبل على متابعة العطاء والرفع من الإنتاج والمساهمة في تحقيق سيادة البلد عن طريق الاكتفاء الذاتي في مجال المحاصيل الاستراتيجية ومؤازرة الحكومة في السياسات المنتهجة للنهوض بالقطاع الزراعي ، وانهم يتطلعون الى تعاط ايجابي هذه المرة من المعنيين الذين سيبادرون حتما في الاسراع في تحسين ظروفهم وانتشال المزرعة من الواقع المزري الذي تعرفه منذو أكثر من سنة ،ولا سبيل الى ذلك
،الا بتنفيذ متطلبات لازمة وكافية هي :
حيازة المستفيدين لوثائق ملكية عقارية على غرار اوراق التعاونيات
محو الدين الكلي عن حملة الشهادات
أعادة تهيئة مزرعة امبورية بكاملها وحرثها حرثا عميقا للتخفيف من الحشائش،وتصحيح اختلالات الاستصلاح من قنوات وطرق ...الخ
مراجعة سياسة القرض الزراعي ورفع المبلغ المخصص لتمويل الهكتار الى 35000 أوقية ، ويكون السداد على أربع حملات على الأقل ،كما أنه لابد لمؤسسة القرض من مراعاة حالات الكوارث الطبيعية التي هي سبب إرهاق كاهل الكثير بالديون
منح المستفيدين من 10 ــــ 15 هكتارا لكل واحد منهم من الأراضي المستصلحة الجديدة
وإنني بوصفي أحد هؤلاء المتضررين من تعطيل مزرعة امبورية أهيب بكل المعنيين والقيمين على الشأن الزراعي والأمن الغذائي والتشغيل وكل الخيرين من رجال أعمال ومحسنين إلى لفتة كريمة لهذه الفئة سبيلا لدعمها ومؤازرتها بتعويضها أولا عن سنتين من تعطيل المزرعة ثم تسوية الدين المستحق عليها لصالح القرض الزراعي.
كما أقترح على السلطات العليا استحداث صندوق وطني للأمن الغذائي يمول من الهبات والتبرعات من رجال الاعمال والمؤسسات الخاصة تسيره الدولة وتشارك في تمويله .
وختاما وانتظارا لانتهاء الاشغال بالمزرعة وارتفاع الغمة عن الامة وتفهما مني لظروف البلد في ايام هذه الجائحة أضع خبرتي المتواضعة وجهودي ووقتي تحت تصرف السلطات العمومية ،ومساهمة مني لتطوير القطاع الزراعي أقدم هذه الافكار للقيمين على القطاع لتنفيذها في مشروع مزرعة امبورية وتتمحور تلك الافكار في انشاء شركة مساهمة برأس مال مختلط يكون مساهموها ملاك الارض من حملة الشهادات و التعاونيات والجهاز الفني المشرف ممثلا للقطاع العام وسيكون لهذا المشروع الاثر البالغ في الرفع من قيمة المزرعة كوحدة مستقلة ولن يتأتى ذالك الا بتدخل الدولة في توفيرخط تمويلي لاقتناء عدد من الاليات الضرورية لتنفيذ الاشغال والعمليات الزراعية ( 1 حفارة Pelle ،2أليتين للتسوية Niveleuseو 4 اربع جرارات Chargeres و40 اربعين جرارا ومحاريثها Tracteurs et Offsetsو20 عشرين حاصدة Moiçoneuses Batteuse )وذلك عن طريق توفير قرض ميسر يسدد على مدى طويل .
حفظ الله موريتانيا من كل وباء وبلاء